يكون لديهم شيء جوهري له قيمته. وكذلك لا ينال كل الرضا من اختاروا طريقا وسطا يقترب قليلا أو كثيرا، ومن أسلافهم في العصر الذهبي، وإنما يقال عن هؤلاء أنهم لم يذهبوا المدى الكافي! ولكن هؤلاء لا يستطيعون أن يذهبوا أبعد من ذلك. فإن العلماء في كل العصور لديهم موهبة فطرية جماعية تشير لهم إلى أي مدى يذهبون, وماذا يرتضون من حلول التوفيق؟ وأين يصمدون تثبيتا لنظامهم؟ ولقد كان محمد عبده وتلاميذه أصحاب مثل هذا التوفيق، ولم يكن تزمت الوهابية Puritonism في طرف أو تحرير بعض المسلمين الهنود Liberalism في الطرف الآخر شيئا مقبولا عند هؤلاء أو عند الجماعة الإسلامية في جملتها.
ومن أجل ذلك كانت الضرورة الأولى اللازمة لأي تغيير أو إصلاح ناجح أن ينبع من داخل الأمة, ويصدر منها ابتداء في استقلال عن أي سيطرة أو إيحاء من جهة أجنبية، ومنذ التجديد التمهيدي الأصيل في الإمبراطورية العثمانية في نهاية القرن الثامن عشر في عهد سليم الثالث، ومنذ جهود مفكري المسلمين في الهند للملاءمة بين الشريعة الدينية وبين واقعيات السيادة غير الإسلامية تحت ضغط الإجراءات القانونية البريطانية في الهند، استمر التغيير في تطبيق الشريعة الإسلامية إلى وقتنا هذا، ولربما تزايدت سرعة التغيير نتيجة لاسترجاع الأمم الإسلامية سيادتها أو نيلها الاستقلال، لكنها لم تبطئ قط، وإذا كانت المعارضة قوية للتغيير في مبدئه، فإنما كانت تمليها إلى حد بعيد الخشية من تعرض الشريعة المقدسة للخطر في أيدي الأجانب غير المسلمين، ولقد تزايد التغيير ولكن تضاءلت المعارضة، وقد يكون من أسباب ذلك الشعور بالضمان في ظل الحكم الإسلامي وغلبة الواقعية ونزعة التوفيق على المراجع الدينية المسئولة.
إن من الخطأ إذن المضي في تأكيد القول بجمود الإسلام وعدم قبوله للتغيير، فإذا ما تجاوزنا دائرة العقيدة الأساسية وبعض المسلمات الدينية المحدودة، فإن الإسلام قد واجه تغييرات ثورية في هذا الجزء من نظامه الذي يوجه حياة الفرد والجماعة، ومع ذلك يكتب لاهوتي مسيحي يتميز بأنه يعد مبشرا مستنيرا أو مبشرا له دراية بالإسلام فيقول منذ قليل١
١ K. Graag, The Cal of the Minaret New York, ١٩٥٦.