فالدخول عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك، أو الصلاة والدعاء مما لم يشرعه لهم، بل نهاهم فقال:"لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني"(١) فبين أن الصلاة تصل إليه من البعيد، وكذلك السلام، ومن صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا ومن سلم عليه مرة سلمالله عليه عشرا، كما قد جاء في بعض الأحاديث.
وتخصيص الحجرة بالصلاة والسلام جعل لها عيدا، وهو قد نهاهم عن ذلك، ونهاهم أن يتخذوا قبره أو قبر غيره مسجدا، ولعن من فعل ذلك ليحذروا أن يصيبهم مثل ما أصاب غيرهم من اللعنة.
وكان أصحابه خير القرون، وهم أعلم بسنته، وأطوع الأمة لأمره، وكانوا إذا دخلوا إلى مسجده لا يذهب أحد منهم إلى قبره ﷺ من داخل الحجرة ولا من خارجها.
وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب إذ كانت عائشة ﵂ فيها، وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الآخر.
وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه: لا لسلام ولا لصلاة عليه، ولا لدعاء لأنفسهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم، ولا كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاما أو سلاما فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم وبيَّن لهم الأحاديث، أو أنه قد رد ﵈ بصوت يسمع من خارج، كما طمع الشيطان مع غيرهم، فأضلهم عند قبره، وقبر غيره حتى ظنوا أن صاحب القبر ويحدثهم ويفتيهم ويأمرهم وينهاهم في الظاهر، وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجا من القبر، ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت من القبر تكلمهم، وأن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي ﷺ ليلة المعراج يقظة لا منامًا.