للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستنادًا لفعل عبد الله بن عمر أجاز الإمام مالك وأحمد وغيرهما (١) من الأئمة السلام على النبي عند القبر على الحال التي كان يفعلها ابن عمر وهي حال القدوم من السفر أو إرادته، واقتصروا في مشروعية السلام على النبي عند القبر على هذه الحال ولم يفتوا في غيرها.

وهم وإن استحب بعضهم وأجاز بعضهم السلام على النبي عند القبر للقادم إلا أنهم لم يقولوا بوجوبه وتعيينه فالذي نقل عن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة من قول في هذه المسألة يدل على أنه استدل بفعل ابن عمر ، وأن فتواه لم تتجاوز ما فعله ، وهذا من دقة فقه الإمام مالك، ويتضح لك هذا من عبارته، ففي "الشفا" للقاضي عياض: وقال مالك في "المبسوط" وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر، وإنما ذلك للغرباء.


= وإكرامهم إياه وطاعتهم وانقيادهم"، فهلَّا آن للأمة الإسلامية أن تتوب إلى رشدها، فتتبع هؤلاء العظماء والفقهاء النبلاء، وإننا على ثقة أنهم ما وقفوا جميعًا هذا الموقف إلا على أساس متين، وصراط مستقيم من العلم النبوي الصحيح، وعلى إدراك واع لمقاصد الشريعة وأهدافها.
إنه ما كان ذلك منهم مع حبهم الشديد الصادق لرسول الله تنفيذًا لتوجيهاته الكريمة مثل قوله: "لا تتخذوا قبري عيدًا"، ومثل قوله : "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد" ومثل قوله : "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". تنفيذًا لهذه التوجيهات العظيمة الهادفة إلى حماية التوحيد وصيانة العقيدة الإسلامية من شرائب الغلو والضلال الذي وقع فيه أهل الكتاب كان ذلك الموقف الواعي الرشيد من الصحابة الكرام وعلى رأسهم الخلفاء الرشدون والفقهاء المبرزون مثل زيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وغيرهم من علماء الصحابة وعظمائها وساداتها … ".
(١) الرد على الأخنائي (ص ٧٣).

<<  <   >  >>