للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجرة للصلاة والسلام بهذه الصورة جعلًا لها عيدًا، وكذلك فإن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لم يكونوا يفعلون ذلك. وقد تقدم نقل كلام الإمام مالك في هذه المسألة بعينها وكيف أنه كره ذلك لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك وقال : "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها" (١).

فوقوف أهل المدينة بالقبر من البدع التي لم يفعلها الصحابة، وهذه الزيارة منهي عنها لقوله : "لا تتخذوا قبري عيدا وصلُّوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني" (٢) وروي مثل ذلك في السلام عليه، فعلم أنه يكره تخصيص تلك البقعة بالصلاة والسلام بل يصلى ويسلم في جميع المواضع وذلك واصل إليه فمثل هذه الزيارة بدعة منهي عنها.

والذين أجازوا السلام عليه عند الحجرة للغرباء اختلفوا كيف يسلم عليه هل تستقبل الحجرة أم القبلة؟ على قولين:

القول الأول: فالأكثرون يقولون يستقبل الحجرة؛ كمالك والشافعي وأحمد.

القول الثاني: وأبو حنيفة يقول: يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره في قول وخلفه في قول.

لأن الحجرة النبوية لما كانت خارجة عن المسجد لم يكن يمكن أحدا أن يستقبل وجهه ، ويستدبر القبلة، كما صار ذلك ممكنا بعد دخولها في المسجد، بل كان إن استقبل القبلة صارت عن يساره، وحينئذ فإن كانوا يستقبلونه ويستدبرون الغرب فقول الأكثرين أرجح وإن كانوا يستقبلون القبلة حينئذ ويجعلون الحجرة عن يسارهم فقول أبي حنيفة أرجح" (٣).


(١) انظر كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص ٧٦٢ - ٧٦٣).
(٢) سبق تخريجه (ص ١٢٦).
(٣) مجموع الفتاوى (٢٧/ ٣٣٠).

<<  <   >  >>