للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلًا وشحيحًا، والدعاء عليه بالرغم، وهذا من موجبات جفائه.

والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءه مناف لكمال حبه، وتقديم محبته على النفس والأهل والمال، وأنه أولى بالمؤمن من نفسه فإن العبد لا يؤمن حتى يكون رسول الله أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس أجمعين، كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله، والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال: "لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" قال: فوالله لأنت الآن أحب إلي من نفسي، قال: "الآن يا عمر" (١).

وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" (٢) فذكر هذا الحديث أنواع المحبة الثلاثة، فإن المحبة: إما محبة إجلال وتعظيم، كمحبة الوالد، وإما محبة تحنن وود ولطف كمحبة الولد، وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال، كمحبة الناس بعضهم بعضًا، ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول عنده أشد من هذه المحاب كلها.

ومعلوم أن جفاءه ينافي ذلك

قالوا: فلما كانت محبته فرضا، وكانت توابعها من الإجلال والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس، وإيثاره بنفسه بحيث يقي نفسه فرضًا، كانت الصلاة عليه إذا ذكر من لوازم هذه الأحبيَّة وتمامها.

قالوا: وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة عليه على من ذكر عنده، فوجوبها على الذاكر نفسه أولى، ونظير هذا أن سامع


(١) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي برقم (٦٦٣٢).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب حب الرسول من الإيمان برقم (١٥)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب محبة الرسول … برقم (٤٤).

<<  <   >  >>