ومن أبين ذلك ما أحدثته الجهمية (١) من وصف الباري سبحانه بالنقائص، وتعطيل صفات الكمال التي أثبتها لنفسه وأثبتها له أعلم الخلق به رسول الله - (-، فاعتقدوا أن صفات الله ليست على الحقيقة، بل هي مجاز، وأراد مؤسس منهجهم إبطال الرسالة، كما يتضح ذلك من قوله:{ ... لو وجدت سبيلاً إلى حكها لحككتها من المصاحف} يقصد: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (٢) .
وتأثر كثير من المسلمين بذلك، وخاضوا في ذلك، فتفرقت الكلمة، وأعجب كل حزب برأيه، فظهر من نفى أسماء الله - تعالى - وصفاته، وظهر من نفى صفاته مع إثبات أسمائه، وظهر من أثبت الأسماء وبعض الصفات، وكان التأويل المذموم، وانحرف كثير من الناس بهذه الطرق والمناهج المبتدعة، وما يزال التأثر بها قوياً، رأينا أثره، ولمسنا نتائج التساهل به عند بعض المتعلمين، خاصة في هذا العصر الذي اختلطت فيه الثقافات، وكثرت وسائل النشر لهذه الاعتقادات وأصبح الحق فيه عند بعض الناس غريباً، واستعمل العقل في كثير من العلوم بعيداً عن الوحي، وقلت منزلة وعظمة أسماء الله وصفاته، التي تزيد الإيمان وتشعر العبد بعظمة الخالق الديان، وأنه الواحد الفرد الصمد، الذي تصمد إليه كل الخلائق هو وحده - سبحانه - المتصرف في هذا الكون، له الكمال المطلق في ذاته وصفاته.
ولكن ضعف هذا الاعتقاد في نفوس كثير من المسلمين، الذين تأثروا بالفلسفات الغربية الحديثة والقديمة، وأصبحوا في حاجة إلى معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، كما يستحق - سبحانه - لتنتظم حياتهم وتصح عبوديتهم له، وطاعتهم لشرعه، ولاشك أن من لم يعظم ويثبت صفاته - سبحانه - على ما يليق به إثباتاً صادقاً يستشعر فيه عظمة الله - تعالى - فإنه سيقصر في امتثال شرعه والعمل بأحكامه.