للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد عرض العلل التي علل بها الفقهاء حرمة استعمال أواني الذهب والفضة، ومناقشتها، والوصول إلى نقض التعليل بالخيلاء، والتشبه بأهل الجنة، والتشبه بالأعاجم، يترجح لي والله أعلم أن علة تحريم استعمال أواني الذهب والفضة وكذلك تحريم تحلي الرجال بالذهب والفضة ماعدا خاتم الفضة هو تضييق النقدين،والإسراف؛ مما يؤدي إلى التوسع والإغراق في التنعم، وهو تنعم لا ينتج عنه قصد صحيح؛ فلو أبيح للناس أن يشربوا في أكوابه، وفناجينه، ويأكلوا في صحافه وجفانه، وطشوته، وغير ذلك من أواني الشرب، والأكل، أو يستعملوا هذين المعدنين النفيسين في الأكل والشرب وغيرهمامن الاستعمالات؛ لكثرت صياغته، فكان هذا إسرافا؛ يؤدي بالضرورة إلى قلة الأثمان. وقلة الأثمان له أضرار اقتصادية كبيرة؛ إذ يترتب عليه حدوث الانكماش الاقتصادي؛ مما يؤثر على دورة الحركة الاقتصادية العامة، وتعطل تبادل المنافع، ووقوع ارتباك في الأسواق التجارية.

ومن جهة أخرى فإن النقود الذهبية والفضية نقود سلعية؛ لها قيمة مادية في ذاتها، فإذا قلت، أو ندرت، بسبب استعمال معدنهما في الأواني أو لتحلي الرجال بها فإنها ترتفع قيمتها، مما يترتب عليه ارتفاع قيم الأسعار، ومنها أسعار المواد الغذائية، والملابس. وهذا فيه من الضرر الشديد على الأمة ما لا يخفى؛ مما يظهر أن من لطف الله بعباده شرع تحريم استعمال هذين المعدنين في الأواني ونحوها؛ لئلا يترتب عليه ما بينا من الأضرار. يؤيده نهي الشريعة عن كسر الدراهم الصحيحة؛ لأن الكسر يذهب شيئا من قيمة الدرهم بالنسبة إلى بقائه.

يعضد ما ذهبنا إليه النهي عن التفاضل عند تبادل الجنس الواحد منهما؛ لأنه ربا.

<<  <  ج: ص:  >  >>