للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرفه القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي رحمه الله تعالى بقوله: (العقل من العلوم، إذ لا يتّصف بالعقل خالٍ عن العلوم كلها، وليس من العلوم النظرية، فإنَّ النظر لا يقع ابتداؤه إلا مسبوقاً بالعقل، فانحصر في العلوم الضرورية وليس كلها، فإنه قد يخلو عن العلوم بالمحسوسات مَن اختلَّت عليه حواسُّه، وإن كان على كمالٍ من عقله) (١) .

وعلى هذا فالعقل عند القاضي الباقلاني رحمه الله تعالى هو: (بعض العلوم الضرورية كجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (٢) . أو هو: (عِلْمُُ بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (٣) .

٣- وعرفه الغزالي الشافعي رحمه الله تعالى بقوله: (والوجه أن يقال: هو صِفَةُُ يتهيأ للمتصف بها دَرْكُ العلوم والنظر في المعقولات) (٤) .

٤- وعرفه القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى بقوله: (والعقل ضَرْبُُ من العلوم الضرورية) (٥) .

وإذا أنعمنا النظر في هذه التعريفات رأينا أن القاضي أبا بكر الباقلاني حصر العقل في بعض العلوم الضرورية في حين أن الغزالي سلك مسلك التعميم، حيث جعل المتصف بالعقل مُهَيّأ لدرْك العلوم لا بعضها، ولعلَّ ذلك هو ما دفع الغزالي إلى أن يًزيَفّ تعريف الباقلاني، حيث قال بعد إيراده له: (وهو مُزيَّف، فإنّ الذاهل عن الجواز والاستحالة عاقل) (٦) .

وقد سبقه إلى هذا التزييف إمام الحرمين الجويني الذي لم يرتض تعريف الباقلاني وإنما أومأ إلى بطلانه، فقد قال بعد حكايته له في برهانه: (والذي ذكره رحمه الله فيه نظر، فإنه بنى كلامه على أنّ العقل من العلوم الضرورية، لأنه لا يتصف بالعقل عارٍ من العلوم كلها، وهذا يَردُ عليه أنه لا يمتنع كون العقل مشروطاً بعلوم وإن لم يكن منها، وهذا سبيل كل شَرطْ ومشروط. فإن قيل: ما الذي يبطل ما ذكره القاضي رحمه الله في معنى العقل؟ قلنا: نرى العاقل يذهل عن الفكر في الجواز والاستحالة وهو عاقل) (٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>