.. وعلى هذا فالخُطْب في هذه المسالة هين، فإن من نسب العقل إلى القلب نظر إلى المقر، ومن نسبه إلى الرأس نظر إلى الأثر، إذ أن اتقاد الذهن أثر لذلك النور المستقر في القلب، وهذا المعنى هو ما ترجمه الشوكاني رحمه الله تعالى بقوله: (ومعنى: " فتكون لهم قلوب يعقلون بها " أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه، وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل، كما أن الآذان محل السمع، وقيل: إن العقل محله الدماغ، ولا مانع من ذلك، فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجاً عنه) ((١)) .
المطلب الرابع: ثمرة الخلاف في المسألة
أفصح الزركشي رحمه تعالى عن ثمرة الخلاف في هذه المسألة فقال:(ومما يتفرع على الخلاف في أن محله ماذا؟ مالو أُوضح (٢) رجل فذهب عقله.فعند الشافعي ومالك يلزمه دية وأرش الموضحة، لأنه أتلف عليه منفعةً ليست في عضو الشجة تبعاً لها، وقال أبو حنيفة: إنما عليه دية العقل فقط، لأنه إنما شجَّ رأسه، وأتلف عليه العقل الذي هو منفعة في العضو المشجوج، ودخل أرش الشجة في الدية) (٣) .
... قال النووي الشافعي رحمه الله تعالى:(يُنْظَرُفي الجناية التي ذهب بها العقل، فإنْ لم يكن لها أرش بأنْ ضرب رأسه أو لطمه فذهب عقله وجبت دية العقل، وإن كان لها أرش مُقدَّر كالموضحة واليد والرجل، أو غير مقدر كالجراحة الموجبة للحكومة فقولان: القديم أنه يدخل الأقل في الأكثر، فإن كانت دية العقل أكثر بأن أوضحه فزال عقله دخل أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر بأن قطع يديه ورجليه أو يديه مع بعض الذراع فزال عقله دخل فيه دية العقل، والجديد: الأظهر لا تداخل، بل يجب دية العقل وأرش الجناية)(٤) .