للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرابع: ثمرة الخلاف في المسألة

حقَّق الغزالي رحمه الله تعالى في هذا المقام الأمر الذي لا تتفاوت فيه العقول بين الناس بعد أن بيَّن أن العقل يطلق بالاشتراك على أربعة معانٍ أولها: الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم، وهو الذي استعدَّ به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية، وثانيها: العلوم الضرورية كالعلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وثالثها: العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال، ورابعها: معرفة عواقب الأمور التي تفضي إلى قَمْع الشهوة وقَهْرها (١) .

فقال: (قد اختلف الناس في تفاوت العقل، ولا معنى للاشتغال بنقل كلام مَنْ قَلَّ تحصيله، بل الأولى والأهم المبادرة إلى التصريح بالحق، والحق الصريح فيه أن يقال: إن التفاوت يتطرق إلى الأقسام الأربعة سوى القسم الثاني وهو العلم الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، فإنَّ مَنْ عَرَفَ أنّ الاثنين أكثر من الواحد عرف أيضاً استحالة كون الجسم في مكانين، وكون الشيء الواحد قديماً حادثاً، وكذا سائر النظائر، وكل ما يدركه إدراكاً محقَّقاً من غير شك، وأما الأقسام الثلاثة فالتفاوت يتطرق إليها) (٢) .

وهذا التحقيق الذي ذهب إليه الغزالي رحمه الله تعالى يجعل عدم التفاوت محصوراً فيما يتعلق بالعلوم الضرورية فقط، ومعنى ذلك أن (العقل الغريزي) وهو الذي ميَّز الله تبارك وتعالى به الإنسان عن البهائم قابل للتفاوت فيختلف فيه الناس بعضهم عن بعض بحسب اختلاف مداركهم ومعارفهم.

إلا أن الزركشي رحمه الله تعالى قد خالف في تحقيقه تحقيق الغزالي، فذهب إلى أن (العقل الغريزي) ليس قابلاً للتفاوت حين قال: (والتحقيق: أنه إن أُريد الغريزي فلا يتفاوت، أو التجريبي فلا شك في تفاوته) (٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>