للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال رحمه الله تعالى: (والرأي الأول إما أنه مبني على أنه ليس في الأفعال صفات حُسن وقُبح ذاتية بسببها يطلب الله فعلها أو تركها وإنما هو يطلب فعل ما يشاء فيكون حَسَناً، ويطلب الكف عما شاء فيكون قَبيحاً، فلا سبيل للعقل للعلم بحُسن فعلٍ أو قُبحه إلا متى علم بطلب الله لفعله على لسان رسله أو الكف عنه. وإما مبني على أن الأفعال فيها صفة حُسن أو قُبح ذاتية ولكن لا يلزم من اتصافها بذلك أن يكون حكم الله وفق ما أدركه العقل من ذلك، فلا تكليف قبل ورود الشرع فالنتيجة واحدة وهي نَفْيُ التكليف قبل ورود الشرع وإن اختلفت العلة.

والرأي الثاني مبني على اتصاف الأفعال بالحُسن والقُبح اتصافاً ذاتياً، وأن العقل يمكنه الاستقلال بفهم ذلك قبل ورود الشرائع، وأنه يلزم أن تكون أحكام الله على وفق ما اتصفت به الأفعال من ذلك) (١) .

وهذا ما نحى إليه المعتزلة حين قَرَّروا أن النقل إذا جاء مخالفاً للعقل فإما أن يُرَدَّ أو يُؤَوَّل، كما سيتضح في مبحث بيان موقفهم من العقل.

المبحث الخامس: العقل عند المعتزلة

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل

... يُعَدُّ أصوليو المعتزلة من أكثر علماء أصول الفقه انحيازاً للعقل، حيث أحاطوه بهالة كبيرة من القداسة والتبجيل، لدرجة أنه ما ذُكر العقل إلا واتجهت الأنظار إليهم وكأنه أصبح عَلَماً لهم أو حِكْراً عليهم.

... ومن أبرز السمات التي تدل على انحياز المعتزلة للعقل ما يلي:

السمة الأولى:

... (قَصْرُ العلم بأصول المقبَحات والمحسنَات على العقل فقط) :

<<  <  ج: ص:  >  >>