.. فعندهم أن العقل هو الكاشف الوحيد عن كون الشيء حَسَناً أو قَبيحاً، حتى لو تعطَّل العقل عن إدراك ذلك لسُدَّ الطريق أمام التمييز بين الحَسَن والقبيح، وهذا ما ترجمه القاضي عبد الجبار بقوله:(اعلم أن الطريق إلى معرفة أحكام هذه الأفعال من وجوب وقُبْح وغيرهما هو كالطريق إلى معرفة غير ذلك، ولا يخلو: إما أن يكون ضرورياً، أو مكتسباً. والأصل فيه أن أحكام هذه الأفعال لابد من أن تكون معلومة على طريق الجملة ضرورة، وهو الموضع الذي يقول: إن العلم بأصول المقبحات والواجبات والمحسنات ضروري، وهو من جملة كمال العقل، ولو لم يكن ذلك معلوماً بالعقل لصار غير معلوم أبداً، لأن النظر والاستدلال لا يتأتَّى إلا ممن هو كامل العقل)(١) .
السمة الثانية:
... (تأهيل العقل لتشريع الثواب والعقاب) :
... فقد قررَّ المعتزلة وجوب الاستجابة لداعي العقل فيما يمليه على صاحبه دون مخالفة أو عصيان، فإذا كَشَفَْ عن حُسْن الحَسَن وجب فعْلُه، فمن فَعَلَهُ استحق الثواب، ومن لم يفعله وهو قادر على فعله استحق العقاب، وإذا كشف عن قُبْح القبيح وجب تَركْه، فمن تركه أُثيب، ومن أقدم على فعله عوقب.
... وقد ترجم ذلك القاضي عبد الجبار بقوله:(القبيح هو ما يقع على وجه يقتضي في فاعله قبل أن يفعله أنه ليس له فِعْلُه إذا علم حاله، وعند فعله يستحق الذم إذا لم يكن يمنع، والحسن ما يوجد مختصاً لغرض وتنتفي وجوه القبح عنه ومن حقه إذا علمه القادر عليه أن يقع كذلك أن يكون له فعله، ولا يستحق الذم إذا فعله)(٢) .
... وسار على هذا المنوال أبو الحسين البصري حين قال:(أما الحَسَنُ فهو فِعْلُُ إذا فعله القادر عليه لم يستحق الذم على وجه، ... وأما القبيح فهو فِعلُُله تأثير في استحقاق الذم)(٣) .