أ) فأما ما يمكن قبوله والتسليم به فهو دعواهم أن " العقل كاشف عن الحُسْن والقُبْح في الأشياء " فهذه دعوى صحيحة لا ينكرها إلا مكابر، لأن الله تبارك وتعالى أودع في غرائز النفوس استحسان الحَسَن واستقباح القبيح، فالناس مفطورون على ذلك جميعهم، وهذا ما ترجمه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله:(فإن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل والعفّة والإحسان ومقابلة النعم بالشكر، وفطرهم على استقباح أضدادها، ونِسْبَةُ هذا إلى فطرهم وعقولهم كنسبة الحلو والحامض إلى أذواقهم، وكنسبة رائحة المِسك ورائحة النَّتن إلى مشامَّهم، وكنسبة الصوت اللذيذ وضده إلى أسماعهم، وكذلك كل ما يدركونه بمشاعرهم الظاهرة والباطنة، فيفرَقون بين طيبَه وخبيثه، ونافعه وضاره)(١) .
ب) وأما مالا يمكن قبوله وتسليمه فهو دعواهم " أنَّ ذلك الإدراك للحُسْن والقُبْح لا يُعْلَمُ إلا من جهة العقل فقط "، وذلك لأن العقل مهما بلغ من الكمال والدقة والإتقان في الكشف عن حقائق الأمور وإدراك طبائعها فإنه قاصر عن الإحاطة بما يحقق مصلحة النفس البشرية في العاجلة والآجلة، والإحاطة بذلك كله إنما هو شأن العليم الخبير الذي وسع علمه كل شيء كما قال سبحانه:(وسع كل شيء علماً)(٢) .