وتقدم هارون الرشيد بهذا الجيش حتى توغل في بلاد الروم فافتتح حصن ماجدة (١) ، وتصدى له البيزنطيون بقيادة نقيطا Niceta قومس (٢) القوامسة، ولكنهم هزموا، وواصل الرشيد توسعه في قلب آسيا الصغرى متجهاً إلى نقمودية (٣)(نيقوميديا) ؛ ليحارب الدمسق – صاحب المسالح – وظل الرشيد ينتقل من نصر إلى آخر حتى أشرف على خليج البحر الذي على القسطنطينية عند مدينة كريزوبوليس Chrysopolis (٤)(٥) .
وساعد الرشيد على إحراز هذا النصر الحاسم تردي الأوضاع للدولة البيزنطية فقد كان يحكمها (قسطنطين السادس بن ليو الرابع - ١٦٤ - ١٨١هـ / ٧٨٠ – ٧٩٧م – وهو طفل لم يتجاوز حينئذ العاشرة من عمره بوصاية أمه إيريني (٦) والتي لم يكن لها دراية كافية بسياسة المسلمين (٧) ، كما أن الدولة البيزنطية لم تهيئ نفسها لمواجهة الجيوش الإسلامية التي بلغت استعداداتها ما بلغت، فضلاً عن رغبة المسلمين الأكيدة في رد الاعتبار للمسلمين الذين انسحبوا أمام البيزنطيين سنة ١٦٤هـ / ٧٨٠م وقد أحدث هذا النصر أثره الواضح والعاجل إذ بادرت إيريني إلى طلب المصالحة مع المسلمين؛ خوفاً من اجتياح الرشيد بلادها.
وكانت الهدنة تنص على توقف الحرب بين المسلمين والبيزنطيين مدة ثلاث سنوات، وتتعهد إيريني أن تدفع للمسلمين جزية سنوية وقدرها تسعون ألف قطعة دينار تؤديها في نيسان الأول من كل سنة وفي حزيران، وأن تمدّ الجيش العباسي بالأدلاء، وتيّسر لهم المؤن في الطريق عند كل منزلة (٨) .
ولقد بالغ المؤرخون المسلمون (٩) حين ذكروا أن من قتل من الروم في هذه الصائفة أربعة وخمسون ألفاً، وما ذلك إلاّ لإظهار قوة الخلافة العباسية والحطّ من شأن البيزنطيين وفي هذه الغزوة يقول الشاعر مروان بن أبي حفصة: