للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا ساءت العلاقات بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية في عهد المهدي، والذي رأى ضرورة استمرار غزوات الصوائف والشواتي، مثلما كان عليه الحال في عهد أبيه المنصور؛ لأن إيقافها سيدفع البيزنطيين إلى التحرك لمهاجمة المسلمين كلما سنحت لهم الفرصة ويلاحظ اعتماده في قيادتها على ابنه هارون الرشيد، حيث كان محل ثقته من بين أبنائه ولذلك حققّ انتصارات كبيرة في معظم حملاته، حتى أشرف في أحدها – سنة ١٦٥هـ / ٧٨١م - على خليج البحر الأسود فكانت حملته تلك خاتمة الحملات العربية على البسفور كما أفاد بعض المؤرخين (١) المحدثين، حيث أظهر فيها من الحنكة والبطولة ما أهلّه لحمل لقب الرشيد قبل أن يتولى الخلافة (٢) .

وكان لانتصارات الرشيد على الإمبراطورية البيزنطية أثره في تشجيع البلغار (٣) على توجيه حملاتهم ضدها، وتمكنوا من إحراز عدة انتصارات عليها دون أن تستطيع القيام بعمل إيجابي ضدّهم (٤) ، فلقد كانت إيريني - إلى جانب مواجهة المسلمين لها - تعاني من الاضطرابات الداخلية، فقد بدأ ابنها - قسطنطين السادس - بعد أن بلغ سنّ الرشد يطالب بالعرش ودخل معها في صراع مرير، وساندته بعض العناصر الكارهة لأمه، كما كان عليها أيضاً أن تواجه أطماع شارلمان (٥) في الغرب (٦) .

كما أن هذا النصر مكّن المهدي من أن يفرض الطاعة في آسيا الوسطى، فيشير اليعقوبي (٧) إلى أن ملك كابل شاه (حنحل) وملك طبرستان (الاصبهبذ) وملك السغد (الإخشيد) وملك طخارستان (شروين) وغيرهم (٨) دانوا له بالطاعة والولاء، ولعل هذه التطورات جعلت المهدي -قبل وفاته بعدة أشهر- يعزم على تقديم ابنه هارون على ابنه موسى الهادي، حيث بعث إليه وهو بجرجان بعض أهل بيته ليقطع أمر البيعة ويقدم أخيه الرشيد (٩) .

ثانياً:

(أ) طبيعة العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين في خلافة هارون الرشيد ٧٠ - ١٩٣هـ / ٧٨٦ – ٨٠٨م.

<<  <  ج: ص:  >  >>