كان للفترة التي عاشها الرشيد مع أبيه المهدي ١٥٨ – ١٦٩هـ / ٧٧٤ - ٧٨٥م أثرها الواضح في علاقته مع الروم بعد توليه الخلافة سنة ١٧٠هـ / ٧٨٦م، فقد اطلع بنفسه على خطر البيزنطيين على المسلمين، ورأى أن خطرهم سيبقى قائماً طالما بقيت الحدود مفتوحة بين الجانبين لذا عوّل على إتمام ما بدأه أسلافه، فأنشأ التحصينات على المناطق المخوّفة لتكون جميعاً بمثابة الحصن الحصين الذي يحمي دار الإسلام من ناحية، وليتخذوها قواعد لهم يشنون منها حملاتهم على أراضي الدولة البيزنطية من جهة أخرى (١) .
كما أقام منطقة جديدة قريبة من إنطاكية أطلق عليها العواصم (٢) ؛ لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها، فتعصمهم وتمنعهم من العدو البيزنطي – بإذن الله – إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر الشامي (٣) ، وأسكنها جنداً عرفوا بجند العواصم، واختار الرشيد هذه الجهة دون غيرها؛ لأن الروم اعتادوا مهاجمة المسلمين منها، فأخذوا يغيرون عليهم بين فترة وأخرى (٤) .
واهتم بطرسوس (٥) - وكانت على حدود بلاد الروم –؛ للأخبار التي وصلت إليه من عزم الروم على الاتجاه إليها وتحصينها (٦) ، لتكون مركزاً استراتيجياً يغزون المسلمين منه، ولهذا أرسل الرشيد سنة ١٧١هـ / ٧٨٧م جيشاُ بقيادة هرثمة بن أعين (٧) ، وأمره - بعد أن ينتهي من غزو الروم - أن يهتم بأمر طرسوس، وينقل البنائين المهرة ليبنوا المساكن والحصون فيها، وينقل إليها الناس ليسكنوها، وتمصّر كبقية الأمصار الإسلامية الأخرى (٨) .