ولما أحرز هرثمة بن أعين النصر على الروم بادر في تنفيذ ما أوصاه به الرشيد، وأوكل هذه المهمة إلى فرج الخادم (١) ؛ لما له من خبرة واستعداد جيد للقيام بمثل هذه الأمور، يدل على ذلك مباشرته للعمل بنفسه، ولا بد أنه دعا كل من لديه معرفة ببناء المساكن والحصون وتخطيط المدن، وزودهم بما يحتاجونه من أدوات البناء، وجلب إليهم الطين والأحجار القوية لبناء الحصون، كما أغدق الأموال على البنائين، لمضاعفة العمل وإنجازه في وقت مبكر، وأحكم بناءها – بعد سنة تقريباً – وجعل لها خمسة أبواب، وحولها سبعة وثمانين برجاً، ولها نهر عظيم يشق في وسطها، عليه القناطر المعقودة (٢) واتجه فرج الخادم إلى بغداد، ونقل المجموعة الأولى من السكان – وكانوا في الأصل من أهل خراسان ممن دخلوا بغداد بعد حركة الفتح الإسلامي وأقاموا فيها – وعددهم ثلاثة آلاف رجل، وكانت المجموعة الثانية من ألفي رجل ألف من المصيصة وألف من إنطاكية، وطلب من الجميع أن يعسكروا في المدائن (٣) ريثما يستكمل بناء مساكن طرسوس وحصونها ومساجدها، وحين انتهى البناء منها سنة ١٧٢هـ / ٧٨٨م (٤) نقل إليها الجميع ومصّرها، وأقطع أهل طرسوس الخطط (٥) ، وزاد كل رجل عشرة دنانير في أصل عطائه (٦) .
والحقيقة أنه ترتب على سياسة الرشيد على الحدود مع الروم أنهم لم يستطيعوا اختراق منطقة الثغور؛ لقوة تحصيناتها ومرابطة الجيوش الإسلامية الدائمة فيها، والذي مكنّهم من تسيير جيوشهم مرتين أو أكثر في السنة من غير تعب أو ملل وهذا ما سنبيّنه لاحقاً – إن شاء الله تعالى.
ب – سياسة الصوائف والشواتي سنة ١٧٠ – ١٨٢هـ / ٧٨٦ – ٧٩٨م: