بعد أن أكمل الرشيد تحصينات الثغور والعواصم، وضم طرسوس إلى حوزة المسلمين، ودفع بالجيش الإسلامي للمرابطة فيها لجأ إلى مجادلة البيزنطيين بالتي هي أحسن؛ إذ أرسل إليهم شارحاً حقائق الإسلام مؤكداً على ضرورة سيادة السلم بينهما وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وكان موقف البيزنطيين سلبياً (١) مما دفع بهارون الرشيد إلى مضاعفة جهده في تسيير الحملات إلى بلاد الروم، لا رغبة في زحزحتهم عن مراكزهم وفتح بلادهم، بل لتثبيت العواصم والثغور في حدود الروم (٢) ، وإشعار البيزنطيين بقوة المسلمين، ليظلوا يهابوهم ولا يفكرون في مهاجمتهم تحت أية ظروف يمروا بها، فيأمن المسلمون جانبهم في حالة انشغالهم بتسكين الفتن والثورات التي تطلّ عليهم - من خراسان وبلاد ما وراء النهر وشمال أفريقية – من حين لآخر.
وتحركت صائفة مع بدء خلافة الرشيد – سنة ١٧٠هـ / ٧٨٦م -، وكان يقودها: سليمان بن عبد الله البكائي (٣) فغزا بلاداً كثيرة – لم تبينها المصادر – في أرض الروم، ونصره الله عليهم، ورجع سالماً مع جنده، وهذا يفيد أمرين:
الأول: أن الرشيد لم يشغله أمر تحصين الثغور سنة ١٧٠هـ / ٧٨٦م عن إرسال حملة إلى العدو البيزنطي؛ حتى لا يستغل الفرصة ويشن هجومه على المسلمين.
الثاني: كان نصر المسلمين في هذه الصائفة دافعاً قوياً لهم على إكمال بناء تحصينات الثغور، والسيطرة على طرسوس، ثم ضمها إلى حوزتهم سنة ١٧١هـ / ٧٨٧م (٤) .
وفي سنة ١٧٠هـ / ٧٨٦م أيضاً قدم جماعة من الروم - لم تحدد المصادر عددهم - ليفدوا أسراهم (٥) ، ويظهر أن هؤلاء هم الذين وقعوا في أسر المسلمين بعد دخول معيوف ابن يحيى بلادهم سنة ١٦٩هـ / ٧٨٥م وسيطرته على مدينة أُشنة – كما أوردنا سلفاً – ودفع الروم مبالغ طائلة لفداء أسراهم، وعادوا معهم بعد أن أقاموا بين المسلمين سنة - تقريباً - تعلموا فيها دين الإسلام وكانوا نواة خير في بلادهم بعد رجوعهم.