وكعادته نقض نقفور الصلح سنة ١٨٨هـ / ٨٠٣م، وامتنع عن دفع الجزية المقررة عليه – تسعون ألف دينار - فسيّر إليه الرشيد في جمادى الأولى سنة ١٨٨هـ / ٨٠٣م جيش الصائفة بقيادة إبراهيم بن جبريل (١) ، ودخل أرض الروم من ناحية الصفصاف، وتقابل الفريقان في حرب شديدة، ترتب عليها هزيمة الروم وفرار نقفور من الميدان بعدما جرح ثلاث جراحات، وحصول المسلمين على أربعة آلاف دابة من الروم، وقتل أربعين ألفاً وسبعمائة من الجيش البيزنطي (٢) ، وإن كان العدد مبالغاً فيه؛ لإظهار قوة الخلافة العباسية، إلاّ أنه يدل على أمرين: أحدهما: كثرة قتلى الروم والآخر: المعاناة التي بذلها المسلمون في هذه الغزوة، والآخر: اعتراف نقفور بقوة المسلمين، وإرساله الجزية للمسلمين، وأحدث كل هذا استياءً عاماً لدى الروم، وخاصة بعد قتل الأعداد الكبيرة منهم وأسر الآخرين، مما دفعهم إلى المطالبة باستعادة أسراهم، وتم لنقفور هذا في فداء سنة ١٨٩هـ / ٨٠٤م، وكان عدد الأسرى المسلمين حوالي ثلاثة آلاف وسبعمائة أسير، أما الأسرى البيزنطيين فلم تمدنا المصادر ببيانات عددية عنهم – لكثرتهم - (٣) ، وقد تولى القاسم بن الرشيد عملية فداء الأسرى التي تمت على نهر اللامس، وحضره العلماء والأعيان وخلق من أهل الثغور وثلاثون ألفاً من الجنود (٤) فلم يبق بأرض الروم مسلم إلاّ فودي به (٥) ، فقال مروان بن أبي حفصة في ذلك:
وفكّت بك الأسرى التي شيّدت لها
محابس ما فيها حميم يزورها
على حين أعيا المسلمين فكاكها
وقالوا سجون المشركين قبورها (٦)
واستفاد كلا الطرفين من هذه المناداة، فقد أظهر الروم الرضا عن نقفور، وخاصة بعد إعلانه الانتقام من المسلمين في وقت قريب واسترداد ما أخذ من غنائم وخيرات، وهذا ساعد على امتصاص غضب الروم وهدوء الأحوال في الدولة البيزنطية سنة ١٨٩هـ / ٨٠٤م.