للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن غزو حميد بن معيوف قبرص سنة ١٩٠هـ / ٨٠٥م يدل على أن العباسيين أخذوا يسعون منذ خلافة الرشيد (١٧٠ – ١٩٣هـ / ٧٨٦ – ٨٠٨م) إلى استعادة السيادة البحرية الإسلامية في البحر المتوسط (١) ، ومما يثبت هذا السعي والاهتمام أن الرشيد أحبّ أن يوصل ما بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر مما يلي بلاد الفرما (٢) فنصحه يحيى بن خالد البرمكي بالانصراف عن تنفيذ ذلك، وخوّفه من دخول مراكب الروم في البحر الأحمر وتهديد الحجاز، فعدل الرشيد عن المضي في تنفيذه (٣) .

أما أسرى قبرص فقد أقاموا مع المسلمين في الرافقة تسعة شهور، أظهروا فيها الاستقامة، فأمر الرشيد بردّهم إلى بلادهم (٤) ، ولابد أنه أخذ عليهم عهداً بالنصيحة للمسلمين وإنذارهم الروم، وألاّ يقفوا إلى صفّهم في حالة هجومهم على المسلمين.

وبعد فتح المسلمين للمدن والقلاع السابقة اتجهوا صوب هرقلة، وكان سكانها قد تحصنوا في قلعتها الحصينة التي أحيطت بخندق كبير لا يمكن الوصول إليه إلاّ بمشقة، فأقام المسلمون على حصارها شهراً، استخدموا فيه السهام والمجانيق والعرادات (٥) .

وحاول أهل هرقلة تخويف المسلمين، فأرسلوا لهم في اليوم الأول (٣ شوال سنة ١٩٠هـ / ٨٠٥م) رجلاً من أعلاج الروم (٦) ، وأعلن تحديه لقتال المسلمين رجلاً رجلاً ثم رجلين رجلين وهكذا حتى وصل العشرين، ولم يردّ عليه أحد من المسلمين؛ سياسة منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>