وفي اليوم التالي (٤ شوال سنة ١٩٠هـ / ٨٠٥م) خرج العلج الرومي وتحدى المسلمين كاليوم الأول فخرج إليه رجل (يدعى ابن الجزري) عرف بالبأس والنجدة، وتقابل الرجلان وأخذ كلاهما يضرب ترس الآخر، حتى انهزم ابن الجزري أمام الرومي بعيداً عن الحصن، سياسة منه ليلحق بهم الرومي ثم يلتف عليه ابن الجزري ويقتله، ولما رأى الروم – وكانوا عشرين رجلاً – ذلك المشهد لجأوا إلى الحصن وأغلقوه عليهم، فأوصى الرشيد قادته بتحطيم أسوار القلعة بضربها بالمجانيق وكُتَل النار المشتعلة، ولما رأى الروم تهافت جنبات السور لجأوا إلى فتح أبواب القلعة وأعلنوا الولاء والطاعة للمسلمين ووافقوا على دفع الجزية، مقابل أن يعطوا الأمان على أنفسهم ولا يفرّق بينهم (١) . فقال الشاعر المكي الذي كان ينزل جدة:
هوت هرقلة لما أن رأت عجباً ... حوائماً ترتمي بالنفط والنار
كأن نيراننا في جنب قلعتهم مصبغات على أرسان قصَّار (٢)
وكان لفتح هرقلة أثره على نقفور الذي بادر إلى دفع الخراج عن أرضه والجزية عن رأسه وولي عهده وبطارقته وسائر أهل بلده خمسين ألف دينار منها عن رأسه أربعة دنانير وعن رأس ولده (إستبراق) ديناران (٣) ، وهذا يدل على قوة المسلمين وضعف نقفور أمام المسلمين، الذين فتحوا كثيراً من مدنهم وحصونهم حتى أن هرقلة في هذا الفتح الأخير هُدِمَت أسوارها وحصونها وسُوّيت بالأرض؛ لئلا يتحصن بها الروم مرة أخرى.
وزيادة في تأكيد هذا الغَرَض اشترط الرشيد على نقفور ألاّ يعمّرها، وأن يحمل إليه ثلاثمائة ألف دينار (٤) ، وأبقى على حصن ذي الكلاع وصملة وسنان من غير تخريب (٥) ؛ لأنها لا تشكل خطراً على المسلمين كهرقلة وقال أبو العتاهية في ذلك: