ويظهر من هذا الكتاب مدى تذلل نقفور وتوسله إلى هارون الرشيد في طلب هذه الجارية بغرض تزويجها لابنه استبراق، كما يتضح تغير لهجته في الاعتراف لهارون أميراً للمؤمنين، كما صدّر كتابه بالسلام وختمه به، وأرسل مع هذا الكتاب هدية من الطيب وسرادقاً (١) ، ولهذا كله أجاب الرشيد إلى طلبه، وأمر بحمل الجارية على سرير ومعها هدايا من عطور وتمور ومتاع وأخبصة (٢) وزبيب، فكافأه نقفور بأن بعث إليه هدية تتكون من وِقْر (حمل) برذون (٣) دراهم مبلغه خمسين ألف درهم ومائة ثوب ديباج واثنتي عشر صقراً وأربعة أكلب من كلاب الصيد وثلاثة براذين (٤) .
ولم تثمر هذه العلاقة الجديدة وما تخللها من تبادل الهدايا في تحسين العلاقة بين الطرفين وتبيّن للرشيد أن الهدايا التي يبعث بها نقفور إليه ما هي إلاّ مكافأة له حين ردّ الجارية إليه، وأنها لا تعني اقتناعه بالرشيد، ولا تعني أيضاً وجود رغبة في إقامة علاقات ودية بينه وبين الرشيد.
ففي جمادى الثاني سنة ١٩١هـ / ٨٠٦م وكعادة نقفور نقض عهده وامتنع عن دفع الجزية، فأرسل الرشيد إليه يزيد بن مخلد الهبيري (٥) على رأس عشرة آلاف، فاعترضه الروم في أحد المضايق فقتلوه على مقربة من طرسوس مع خمسين رجلاً (٦) ، ولما رأى المسلمون مهاجمة الروم لهم بأعداد كبيرة فضّلوا العودة إلى الشام حقناً للدماء وطلباً للنجدة من الرشيد.