وقد اتخذ ذلك التسامح والاضطهاد، مظاهر شتى من قبل روجر الاول (٤٦٣- ٤٩٥هـ / ١٠٧١ – ١١٠١م) الذي وضع ما يمكن أن نسميه بالخطوط العريضة لسياسة النورمان تجاه المسلمين في صقلية.
وتبدو لنا المعلومات بداية فيها نوع من التناقض، ففي الوقت الذي تشير فيه إلى أنه ترك للمسلمين حريتهم الدينية، ولم يعترض على إقامة تلك الشعائر، ولم يعمد إلى القتل والتعذيب (٣٢) ، تذكر أيضاً أن من ضمن الإجراءات التي عملها هي تلك التي عمد فيها إلى تحويل المساجد إلى كنائس، وتعيين رئيس أساقفة عليها، وكان يونانياً (٣٣)
إما الإدريسي (٣٤) وهو ممن عاش في البلاط النورماني – مما سنتحدث عنه لاحقاً – فيقول عن روجر الأول ممتدحاً: (ولما صار أمرها – أي صقلية – إليه واستقر بها سرير ملكه، نشر العدل في أهلها، وأقرهم على أديانهم وشرائعهم، وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم، ثم أقام على ذلك مدة حياته إلى أن وافاه الأجل المحتوم)(٣٥) .
ومن أهم ما أقدم على عمله روجر الأول لإثبات حسن نواياه تجاه المسلمين، أنه سك عملة نقدية، كتب على أحد وجهي تلك العملة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)(٣٦) . وقد يبدو الهدف من ذلك هو ملاطفة عواطف المسلمين المغلوبين بعبارة هي رمز عزتهم، وعماد دينهم، فالإبقاء عليها من خلال العملة يوحي لهم بأن لهم مكانة بين شعوب الجزيرة من الأديان الأخرى، وبالتالي يجب على الفئات الأخرى أن تحترمهم، أو على الأقل تكف عن إيذائهم.