وإذا عدنا إلى قول الإدريسي، وهو ممن عاش في البلاط النورماني، ففي رأيي أن كثيراً مما قاله لا يخلو من المجاملة لأرباب نعمته إذ أن ما ذكره ليس على الدوام وهو يكتب ذلك بعد انتهاء فترة حكم روجر الأول وأثناء حكم روجر الثاني. وهنا ابن الأثير، لا يوافق قوله معظم ما قال به الأدريسي، لأن ابن الأثير يرى أن المسلمين حرموا من كثير من ممتلكاتهم وأموالهم، وعقاراتهم، فيقول عن روجر الأول:" وملك روجر جميع الجزيرة وأسكنها الروم والفرنج مع المسلمين، ولم يترك لأحد من أهلها حماما، ولا دكاناً، ولا طاحونا "(٣٧) .
وهنا يجب أن لا ننسى أنه بالأمس القريب وأثناء فترة الغزو النورماني على مدن ومعاقل جزيرة صقلية، كان جيش روجر الأول وبأمر منه، يضيق الخناق على المسلمين في مدنهم وحصونهم، حتى أكلوا لحم الميتة، كما حدث عند حصارهم لمدينتي قصر يانه وجرجنت إذ بلغ شدة الحال بالمسلمين من جراء ذلك الحصار أن:(ضاق الأمر على أهلها، حتى أكلوا لحم الميتة، ولم يبق عندهم ما يأكلونه)(٣٨) .
أما عن حالات التسامح التي دعت روجر الأول إلى القيام بها مع المسلمين في البداية فترجع بعض أسبابها إلى انبهاره بحضارة المسلمين كما كان يريد أن يتخذ من صقلية نقطة انطلاق إلى شواطئ أفريقية الشمالية الخاضعة لحكم المسلمين، وذلك لن يتم إلا بمصادقة المسلمين الموجودين في الجزيرة، وبالتالي يتحقق له ما يريد، وعلى الأقل في الناحية الاقتصادية (٣٩) . ولعل ما ذهب إليه روجر الأول هنا هو ما يعرف اليوم في علم السياسة بتأمين الجبهة الداخلية، وهي من أهم أسباب الاستقرار أو ضده. وطرق ذلك متعدده ومن أهمها سياسة التسامح في بعض الحالات ولفترة مؤقتة.