وهنا يجب أن لا يغيب عن البال أن روجر الأول جاء معه إلى صقلية بنظام الإقطاع الذي يطبق في أوربا، والذي يقضي على حرية المالك الصغير، ويصنف الناس إلى طبقات أعلاها الطبقة الحاكمة وأدناها رقيق الأرض (٤٠) ، وهذا النظام لم يعهده المسلمون الباقون في صقلية بعد سقوطها، لأن دين الإسلام له مبادئه وضوابطه الخاصة فيما يتعلق بالملكية والعمل والأجرة وخلاف ذلك.
ولتأكيد ما يريد أن يطبقه روجر في صقلية فقد عقد اجتماعاً في مدينة (مازر) سنة ٤٨٦هـ / ١٠٩٣م بحضور أصحابه وخاصته، وسلم كل واحد منهم صحيفة مكتوبة بالعربية واليونانية، فيها وصف للأرض التي تخصه وبيان بعدد الفلاحين والأرقاء في أملاكه (٤١) .
وهذه الأراضي التي تم توزيعها على خاصته إنما هي لأناس مسلمين تم الاستيلاء عليها بالقوة أثناء غزو النورمان لصقلية.
ومما يعزز نظرة روجر الأول تجاه المسلمين وأنها غير سليمة على الإطلاق ما عمله في مدينة (قطانيه) حين استولى عليها، فقد جعل أهلها المسلمين أرقاء، ومنحهم اقطاعاً للأسقف (٤٢) .
وإذا عدنا إلى ابن الأثير وآرائه فيما يتعلق بسقوط صقلية ومعاملة حكامها للمسلمين فإنه يبدي الامتعاض الشديد لما آل إليه حال المسلمين من الاستعانة بالكفار وانعكاسات ذلك على حياة المسلمين في صقلية وخاصة في عهد روجر الأول (٤٣) .
ومن مظاهر معاملة روجر الأول لمسلمي صقلية، أن معظم الأسرى الذي وقعوا في يده أثناء غزو صقلية، قد أرسلوا إلى إيطاليا وبيعوا عبيداً هناك (٤٤) .
وهناك وثيقة مكتوبة بالعربية، واليونانية، مؤرخة بسنة ٤٨٨هـ / ١٠٩٥م تشير إلى ذكر أسماء ثلاثين عبداً مسلماً تابعين لكنيسة قطانية (٤٥) .