ولك أن تتصور حاكماً غير مسلم جنائبه وحجابه والمسؤلون عن سلاحه وملابسه كلهم من المسلمين، إن ذلك أمر له دلالته، ولو لم نخرج منه إلا بما يدلنا على عدل الإسلام وسماحته وعالمية مبادئه ونزعاته لكفى.
وتزداد العلاقة الحسنة بين المسلمين وحاكم الجزيرة روجر الثاني النورماني، فيسمح بإنشاء ديوان المظالم ترفع إليه شكوى المظلومين، فيطلع على تلك الشكاوي، وينصف المسلمين ولو كان المخطئ ولده، ويرى إبن الأثير أن ذلك في غاية الكرم إذ يقول:(وجعل له ديوان للمظالم ترفع إليه شكوى المظلومين فينصفهم ولو من ولده وأكرم المسلمين، وفر بهم ومنع عنهم الفرنج)(٥٥) فكانت نتيجة ذلك التعامل مع المسلمين، أن المسلمين (أحبوا)(٥٦) روجر النورماني.
ومن مظاهر العلاقة الحسنة بين المسلمين والنورمان في عهد روجر الثاني، أن الأساطيل الحربية في البحر كانت مشحونة بالمسلمين والفرنج على حد السواء (٥٧) .
ولعل السبب الذي جعل روجر ينهج هذا النهج في سياسته العسكرية، هو الاستفادة من النظام المتقن عند المسلمين فيما يتعلق بالجندية، إضافة إلى تفاني المسلمين وإخلاصهم ودقتهم في الأعمال الموكلة إليهم.
ولم يقتصر روجر على الاستفادة من المسلمين في الأساطيل الحربية البحرية، وإنما عمد إلى اتخاذ المشاة والرماة منهم، وفرسان الخيول في الحروب، وخاصة في حروبه في إيطاليا (٥٨) .
كما نجد أن التأثيرات الإسلامية بلغت حداً كبيراً، لدى النورمان في عهد روجر الثاني، إذ تأثر بألقاب الخلفاء والسلاطين المسلمين، فلقب نفسه ب (المعتز بالله)(٥٩) . ونتيجة لذلك ولتلك الرعاية التي حظي بها المسلمون من روجر الثاني، فإنه أتهم من بعض معاصريه بأنه أعتنق الإسلام (٦٠) .
بل نجد أن الأمر زاد على ذلك فضرب نقوداً ذهبية يتداولها الناس، اتبع فيها الصيغة الإسلامية في الوزن والطراز ورسم فيها اسمه وألقابه وشارته الخاصة.