للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل المخرج من هذا أن روجر قد عرف الأدريسي معرفة شخصية من خلال البيت العربي المسلم الذي يرجع إلى الأدارسة العلويين، والمقيم في صقلية؛ وهذا البيت يعرف أفراده بالحموديين، وهم من نفس بيت بني حمود الذي ينتسب إليه الشريف الادريسي (٦٥) .

والحموديون هم الذين كان لهم سلطان كبير على بعض مدن صقلية مثل (جرجنت) و (قصريانه) ؛ وهم أيضاً الذين قاوموا النورمان في اللحظات الأخيرة قبل استيلائهم على جزيرة صقلية (٦٦) .

وقد اهتم روجر الثاني بالشريف الإدريسي اهتماماً كبيراً، فأكرم نزله، وبالغ في تعظيمه، ورغبة في المقام عند قائلاً له: (أنت من بيت الخلافة، ومتى كنت عندي أمنت على نفسك، ومتى كنت عند المسلمين عمل ملوكهم على قتلك) (٦٧) .

وقد أجابه الادريسي إلى ذلك، (ورتب له كفاية لا تكون إلا للملوك) (٦٨) بل تعدى الأمر ذلك فيجلس الادريسي مكان روجر، حيث يتنحى عنه الأخير له (فيأتي الادريسي إلى روجر راكباً بغلة، فإذا صار عنده تنحى له عن مجلسه) (٦٩) .

وباستقرار الادريسي في بلاط روجر يبدأ في تحقيق رغباته، فيصنع له خريطة كروية للأرض من الفضة.

وتذكر المصادر، أن روجر الثاني النورماني كان قد أعطى للادريسي وزن أربع مائة ألف درهم من الفضة ليضع له دوائر فلكية؛ فلما أتم صنعها الادريسي أعجب بها روجر. ولما كان صنعها لم يأخذ إلا ثلث تلك الفضة أو أكثر بقليل، فقد منح روجر الباقي كله للادريسي، بل أضاف إلى ذلك حمولة مركب جاء من برشلونة ببضائع ملكية (٧٠) .

وتلك الخريطة الضخمة الكروية للأرض التي صنعها الادريسي، هي ما حدت بروجر الثاني، أن يستدعى الصناع المهرة لينقشوا عليها صور الأقاليم السبعة ببلادها وأقطارها، وريفها، وخلجانها، وبحارها، ومجاري مياهها ومواقع أنهارها، وعامرها، وغامرها، وما بين كل بلد وبلد من الطرقات المطروقة، والأميال المحدودة والمسافات المشهودة، والمراسي المشهورة .... . (٧١)

<<  <  ج: ص:  >  >>