للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما خير مثال للوجود الثقافي الإسلامي في عهد روجر الثاني، فهو ذلك العمل الضخم، الذي قام به الادريسي بتأليف كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) .

والكتاب إلى جانب أنه تحقيق لإحدى رغبات روجر الثاني، فهو نتيجة من نتائج تلك الخريطة الضخمة الكروية للأرض التي صنعها الادريسي كما نص على ذلك الادريسي في مقدمته إذ أنه (كتاب مطابق لما في أشكالها وصورها ويزيد عليها بوصف أحوال البلاد والأرضين في خلقها وبقاعها، وأماكنها، وصورها، وبحارها، وجبالها ومسافاتها ومزروعاتها وغلاتها، وأجناس بنائها وخواصها، والاستعمالات التي تستعمل بها، والصناعات التي تنفق بها والتجارات التي تجلب إليها ....) (٧٢) .

وبتألف الأدريسي لكتابه (نزهة المشتاق) تتحقق رغبة روجر النورماني منه، وهي ما أشار إليها الادريسي من أنه كان يريد معرفة حقيقة البلاد التي تحت سيطرته وحدودها وكل ما يتعلق بها إضافة إلى معرفة غيرها من البلدان والأقطار، إذ يقول: (لما اتسعت أعمال مملكته، وتزايدت همم دولته، وأطاعته البلاد الرومية ... أحب أن يعرف كيفيات بلاده حقيقة، ويقتلها يقينا وخبرة، ويعلم حدودها ومسالكها براً وبحراً ... مع معرفة غيرها من البلاد والأقطار في الأقاليم السبعة ....) (٧٣) .

وقد مجد الادريسي في مقدمته، روجر الثاني النورمندي، ووصفه بأوصاف ولقبه بألقاب لا تكون إلا لخلفاء الإسلام، وقد ظهرت فيها المبالغة واضحة جلية، ومن ذلك قوله: (فإن أقل ما عني به الناظر، وأشعل الأفكار والخواطر، ما سبق إليه الملك المعظم رجار المعتز بالله، المقتدر بقدرته، ملك صقلية ... الناصر للملة النصرانية، إذ هو خير من ملك الروم بسطاً وقبضاً ....) (٧٤) . وقوله: (فمن بعض معارفه السنيه، ونزعاته الشريفة العلوية أنه لما أتسعت أعمال مملكته ...) (٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>