للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتاب (نزهة المشتاق) الذي جعلناه خير مثال للوجود الثقافي الإسلامي في صقلية في عهد روجر الثاني، هو بحق أفضل مؤلف جغرافي تلتقي فيه الجغرافيا القديمة بالجغرافيا الحديثة، فمعلومات الإدريسي فيه دقيقة جداً لدرجة تدعوا إلى الإعجاب، ولذلك لم يكن غريباً، أن يطلق عليه اسم (استرابون العرب) (٧٦) .

كما أن هذا الكتاب القيّم ظل ولعدة قرون هو المصدر الأساسي للكثير من المعلومات الجغرافية، وذلك لأنه تضمن وصفاً لمناطق كان هو الرائد فيها بين كتب الجغرافيين المسلمين، وعليه اعتمد اللاحقون فيما كتبوا.

وهو أعظم موسوعة جغرافية خرجت من صقلية في القرون الوسطى، وأوفى كتاب جغرافي تركه لنا المسلمون لاشتماله على ما وصل إليه علم الأقدمين، إضافة إلى ما أطلع عليه الادريسي بنفسه، أو ما وصل إليه من دراسات ومشاهدات وخبرات، وما رواه السياح (٧٧) .

جاء في دائرة المعارف الفرنسية عن كتاب الادريسي أنه: (أو فى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وأن ما يحتويه من تحديد المسافات والوصف الدقيق، يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية في القرون الوسطى) (٧٨) .

يقول روم لاندو: (إن ما يعتقده الغربيون اليوم، أن ما يتعلق بكروية الأرض، وبعض الأمور الجغرافية الأخرى كاكتشاف منابع النيل، هو من اكتشاف الغرب، فذلك ليس صحيح، فقد سبقهم إلى ذلك الادريسي في العصور الوسطى) (٧٩) .

ونستمر في ذكر شهادات الغرب عن كتاب الادريسي حيث يقول سيديو: (على مدى ثلاثمائة وخمسين عاماً ظل رساموا الخرائط الأوربيون لا يفعلون شيئاً سوى إعادة نسخ هذا الكتاب مع بعض التغييرات الطفيفة) (٨٠) .

والغرب لم يعرف الجغرافيا المؤسسة على المراقبة والتجربة، فالأرض عندهم ترسم على أنها قطعة من الأرض يحيط بها بحر عالمي، وفي وسطها تقع الجنة، كما تمليها عليهم خرائط الأديرة، إلى أن خرج معلم الغرب من قصور ملوك صقلية، فأصبح نموذجاً يهتدي به (٨١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>