ولكن ما هي الصورة الأخرى لحياة المسلمين في صقلية في عهد غليالم الثاني والتي رواها لنا ابن جبير، وهل هناك تناقض بين روايته للحالين، أم أن هذا هو الواقع حقيقة في صقلية.
يقول ابن جبير عن مدينة (مسيني) : (ويستوحش بها المسلم الغريب)(١٢٠) . وقوله هذا يدل على أن المسلمين بها قليل، أو لا يوجد منهم أحد فالكل من غير المسلمين.
وابن جبير يجعلنا في حيرة أيضاً عندما يذكر لنا أن الملك غليالم الثاني اتخذ حجابه ووزراءه وفتيانه من المسلمين ثم يقول لنا (كلهم أو أكثرهم كاتم إيمانه، متمسك بشريعة الإسلام)(١٢١) وهذا يدل على أن هناك تضييق على المسلمين فيما يتعلق بتأدية شعائرهم الدينية، وواجباتها وتكليفاتها.
وينقل لنا ابن جبير صورة أخرى لحال المسلمين هناك، يتبين من خلالها الدور الدعوي الذي تقوم به النساء المسلمات من جواري القصر الملكي، ولكن ذلك يتم في سرية وتكتم. مما يدلل على الخناق الذي يلقاه المسلمون عامة في صقلية عند ذكر الحقيقة، فيذكر لنا أن (الأفرنجية من النصرانيات تقع في قصره، فتعود مسلمة تعيدها الجواري - المسلمات - مسلمة، وهن على تكتم من ملكهن في ذلك كله)(١٢٢) .
ويروي لنا الرحالة ابن جبير حكاية عن رجل من وجهاء مدينة مسيني وكبرائها اسمه عبد المسيح، كان قد احتفل بابن جبير وأكرمه في منزله، وهذا الرجل تحركت فيه عواطفه ومشاعره الدينية، ويريد أن يسأل عن الأماكن المقدسة في مكة والمدينة والشام، ولكنه لم يستطع أن يقدم على تلك الأسئلة إلا بعد أن أزال من مجلسه ذلك كل من يشك فيه من خدامه، من أنه سينقل عنه شيئاً.
وهذا أمر له دلالته فالمسلم هناك لا يستطيع أن يبوح بمشاعره وأحاسيسه الدينية خوفاً من أولئك النصارى من الحكام وغيرهم.