يقول ابن جبير:(وباح لنا بسره المكنون بعد مراقبة منه في مجلسه، أزال لها كل من كان حوله ممن يتهمه من خدامه، محافظة على نفسه، فسألنا عن مكة قدسها الله، وعن مشاهدها المعظمة، وعن مشاهد المدينة المقدسة، وعن مشاهد الشام)(١) ١٢) . فأخبره ابن جبير عن ذلك كله (وهو يذوب شوقاً وتحرقاً)(١٢٤) .
وينقل هذا الشخص صورة ما هم عليه لابن جبير، من كتمان لإيمانهم، وعبادة الله سراً، وغير ذلك فيقول لابن جبير (أنتم مدلون بإظهار الإسلام، فائزون بما قصدتم له، رابحون إن شاء الله في متجركم، ونحن كاتمون إيماننا خائفون على أنفسنا، متمسكون بعبادة الله وأداء فرائضه سراً، معتقلون في ملك كافر بالله، قد وضع في أعناقنا ربقة الرق..)(١٢٥) .
إن ما ذكره هذا الشخص لابن جبير يؤكد لنا أن المسلمين على هذه الحالة إنما هم كالأرقاء، لا يتحركون إلا بأوامر سيدهم، ولا يستطيعون إظهار عزة أنفسهم، وعزة دينهم، بل هم في حالة خوف دائم على أنفسهم.
ويؤكد لنا ابن جبير أن أداء فتيان الملك غليالم الثاني للصلاة المفروضة، لا يكون إلا سراً، حيث يخرجون من عنده فرداً فرداً فيصلون فريضتهم؛ (وربما يكونون بموضع تلحقه عين ملكهم فيسترهم الله عز وجل)(١٢٦) .
وعند زيارة ابن جبير لمدينة (بلرم) العاصمة يذكر لنا حال المسلمين هناك في صورتين متناقضتين، من حيث أنهم يعمرون مساجدهم ويقيمون صلواتهم بأذان مسموع، ويصلون الأعياد بخطبة يدعون فيها للخليفة العباسي، ولهم قاض يرفعون إليه شكواهم، ويقبلون أحكامه، كما أنهم هم التجار في الأسواق ... وهذه الصورة هي الحسنة التي كان يجب أن يكون عليها حال المسلمين على الدوام في ظل الحكم النورماني.
ولكن يذكر لنا ابن جبير وأثناء تقديمه لهذه الصورة الحسنة، صورة أخرى لاشك وأن لها دلالة خاصة، وتلك الصورة أنهم كانوا لا يؤدون صلاة الجمعة، والسبب أن الخطبة محظورة عليهم (١٢٧) .