وفي إثبات مواضع الخلل في الجمهرة وبيان أنواعها، وكشف أسبابها خدمة للعلم وأهله، وتهذيب لمعجم كبير يُعَدّ من أقدم المصادر اللّغويّة المعتمدة، وليس فيه ضير على ابن دريد، والواجب يقضي بأن نقف موقف العدل من علمائنا ونحسن الظّنّ بهم، ونلتمس لهم الأعذار، ما وجدنا إلى ذلك سبيلا، وأن نقدّر لهم علمهم ونحلّهم منازلهم الّتي استحقّوها، فلا نغلو بإطرائهم، ولا نَحُطّ من أقدارهم، والحقّ أحقّ أن يتبع أين حَلَّ وحيث صقع، كما يقول ابن جنّيّ القائل عن معجمي ((العين)) و ((الجمهرة)) : ((ولو أنّ إنساناً تتبّع كتاب العين، فأصلح ما فيه من الزّيغ والاضطراب لم أُعنّفه في ذلك، ولرأيتُه مصيباً فيه مأجوراً على عمله، وإن وجدت فسحة أصلحت ذلك، وما في كتاب الجمهرة مما سها فيه مصنّفه رحمه الله)) (١) .
ولكنَّ المصادرَ لم تذكر أنّ ابن جني وَفَى بما وعد به، فلعلّه لم يجد الفسحة المطلوبة لإنجاز مثل ذلك العمل العلميّ.
أمّا أنا فلم أجد فيمن كتب عن ابن دريد قديماً وحديثاً من بحث في هذه المسألة بحث تفصيل، وإنما وجدتهم يشيرون إلى شيء من اضطرابه وخلله في الأصول، ويذكرون المثال أو المثالين، وينقل اللاّحق منهم عن السّابق.
نعم، وقد اخترت عنوانا لهذا البحث، وهو ((خلل الأصول في معجم الجمهرة)) وهذا يعني أنني تركت مآخذ أخرى أُخِذَت على ابن دريد في الجمهرة، كاتّهامه بافتعال العربيّة، والتّصحيف والتّحريف ونحو ذلك، ولذا جاء البحث وَفْقَ الخطّة التّالية: