ولمّا كتبته وَقَّعْتُ في متونه وحواشيه جميعاً من التّنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته، ثمّ إنّه لماّ طال عليَّ أومأت إلى بعضه، وأضربت البتّة عن بعضه)) (١) .
وقال السّيوطيّ مفسّراً كلمة ابن جني هذه:((مقصوده الفساد من حيث أبنية التّصريف، وذِكرُ الموادّ في غير محالّها ... ولهذا قال: أعذر واضعه فيه لِبُعْدِهِ عن معرفة هذا الأمر، يعني أن ابنَ دريد قصير الباع في التّصريف، وإن كان طويل الباع في اللّغة، وكان ابن جنّي في التّصريف إماماً لا يشقّ غباره، فلذا قال ذلك)) (٢) .
ويظهر صدى كلمة ابن جنيّ تلك في قول عبد القاهر الجرجانيّ في أثناء حديثه عن ((الملك)) واحد الملائكة: ((وأما ذِكْرُ ابن دريد المَلَكَ في تركيب (م ل ك) فلا اعتداد به؛ لأنّه قد ذكر–أيضاً– لِثَة مع ثهلان، ورِعَة مع عَاهِر، وغير ذلك، مما هو من تصريف الصّبيان)) (٣) .
ويشير عبد السّلام هارون إلى ذلك المطعن الّذي قاله ابن جّنّي في حقّ ابن دريد وجمهرته، ويقرّر أنّه لا سبيل إلى ردّ هذا المطعن، وأنّ الاعتذار عنه داخل في نطاق التّعمّل والتّكلّف (٤) .
ويأخذ عليه بعض الباحثين المعاصرين (٥) إلى جانب ما ذكر في هذا الشّأن اضطرابه في تاء التّأنيث، وعدّها من أصول الكلمة، وهو ما أومأ إليه عبد القاهر الجرجانّي في كلمته السّابقة.
وسنقف في الفصل الثّاني من هذا البحث -إن شاء الله- على حقيقة هذا الخلل والاضطراب من خلال الفحص الدّقيق للجمهرة، وتوجيه ما يمكن توجيهه.
ب اضطراب المنهج واختلال التصنيف:
وذلك في أبواب الجمهرة التي لا تقوم في تقسيمها وترتيبها على أساس واحد، بل تقسم على أساس الألفاظ تارة وعلى أساس الأبنية تارة أخرى، وعلى أساس الموضوعات والظّواهر اللّغويّة في بعض الأحيان (٦) .
وسيتّضح اضطراب المنهج وخلل التّصنيف من خلال الفصل الثّاني، إن شاء الله.