ومن أقدم من وجّه هذه التّهمة لابن دريد أبو منصور الأزهريّ، في ((تهذيب اللّغة)) وهو القائل: ((وممن أَلَّفَ في عصرنا فوُسِمَ بافتعال العربيّة، وتوليد الألفاظ، الّتي ليس لها أصول، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد صاحب كتاب الجمهرة)) (١) .
ويقول:((وتصفّحتُ كتاب الجمهرة له فلم أَرَهُ دالاّ على معرفة ثاقبة، وعثرتُ منه على حروف كثيرة أزالها عن وجوهها، وأوقع في تضاعيف الكتاب حروفاً كثيرة أنكرتها، ولم أعرف مخارجها، فأثبتها من كتابي في مواقعها منه لأبحث عنها أنا أو غيري ممّن ينظر فيه، فإن صَحَّت لبعض الأئمّة اعتُمدت، وإن لم توجد لغيره وُقِفَتْ)) (٢) .
وسَرَت كلمة الأزهريّ هذه إلى بعض اللّغويين من بعده، وتأثّروا بها في أحكامهم على ابن دريد، ومن هؤلاء ابن فارس الّذي يقول:((ولولا حُسْنُ الظّن بأهل العلم لترك كثير ممّا حكاه ابن دريد)) (٣) .
ولا يعنينا البحث في أسباب هذا المطعن؛ لخروجه عن نطاق هذا البحث، ولكن حسبنا أن نقول: إنّ أكثر علماء العربية وَثَّقوا ابن دريد وقبلوا ما جاء به في الجمهرة، ونقلوه في معجماتهم أو كتبهم؛ لمعرفتهم به، ولرؤيتهم ما يفيد تحرّيه الصّدق في معجمه، كتعقيباته الكثيرة على ما يشكّ فيه، بعبارات مختلفة، من مثل قوله:((لا أدري ما حقيقته)) و ((ليس بثبت)) و ((لا أَحُقُّه)) و ((كذا زعموا)) و ((فإنّه مولّد لا يؤخذ بلغته)) ونحو هذا، وهو كثير مبثوث في الجمهرة.
ولعلّ الأزهريّ كان متأثّرا بأقوال شيخه ((نفطويه)) وطعنه في ابن دريد، واتّهامه بسرقة ((العين)) وكان بين الرّجلين –ابن دريد ونفطويه– تنافس شديد، ومنافرة مشهورة، وقد تقرّر في علم الحديث أنّ كلام الأقران في بعضهم لا يقدح، كما يقول السّيوطيّ (٤) .
نعم، ولم تكن هذه الملحوظات وغيرها قادحة في علم ابن دريد، أو في معجمه