كانت بداية الاتصال بالثقافة الإغريقية في عهد المنصور (ت ١٣٦هـ) ، وكان هذا الاتصال ضعيفاً، فالترجمة حينذاك كانت تتسم بالفردية والترجمة غير المباشرة أما الاتصال الحقيقي بهذه الثقافة فقد بدأ بعصر المأمون (ت ١٩٨هـ) ، حيث العصر الذهبي للترجمة، فسمعنا بيوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق (ت ٢٦٠هـ) وغيرهما من كبار مترجمي الثقافة الإغريقية عامة، والمنطق الأرسطي بصفة خاصة.
وقد كان لهذه الترجمة، وبخاصة ترجمة الفكر الإغريقي " أخطر الآثار وأعمقها في الفكر الإسلامي، فإن المتصلين بهذه الأفكار من المترجمين وتلاميذهم أدركوا بوضوح أنهم يقفون على فكر يختلف إلى أبعد غايات الاختلاف عن العلوم المختلفة التي تفرع إليها النشاط العلمي في العالم الإسلامي في المادة والمضمون معاً، ثم في المناهج التي تعالج هذه المادة وهذا المضمون جميعاً، ... وما لبث هذا أن ميز بين اتجاهين أساسيين في القرن الثاني الهجري الاتجاه الأول يضم هؤلاء المترجمين وتلاميذهم ممن اتصلوا بالثقافات الأجنبية بعامة، وبالثقافة الإغريقية بصفة خاصة وبالمنطق اليوناني والفلسفة اليونانية على نحو أخص، والاتجاه الثاني يجمع أولئك الملتزمين بأصول العلوم الإسلامية كما قررتها القواعد الدينية وتفاصيلها وكما شكلتها الحاجات الاجتماعية وصاغتها التطورات الذاتية للثقافة الإسلامية.
و" ... كان أهم ما التفت إليه المفكرون الإسلاميون في نقد المنطق اليوناني خلوه من ملاحظة المضمون جملة أي شكلية هذا المنطق (١) ...
ومرد هذا الموقف الحاسم من المفكرين الإسلاميين إلى أسباب كثيرة، ليس من بينها رفض الإفادة من التراث البشري الذي يعد ملكاً مشتركاً للحضارات الإنسانية بأسرها، بل يمتد هذا الموقف من المنطق اليوناني عن التحليل الدقيق له من وجهة النظر الإسلامية.