ولهذا، فقد تعددت ضروب المجاز وتسمياته، حيث شكلت هذه الضروب المختلفة للمجاز دلالات أسلوبية تجعل من النص مجالاً للجدل والحوار والتأويل، حيث تتعدد معانيه وإيحاءاته، وتتعدد إمكانية التأويل والاحتمال لدى دارسيه. فقد عد ابن منظور المصري (ت ٧١١هـ) في معجم لسان العرب الحذف في التركيب اللغوي للنص الإبداعي مجالاً هاماً من مجالات المجاز، حيث يترك هذا الحذف للقارئ متعة ولذة عارمة. يقول ابن منظور بهذا الخصوص محدداً معنى الحذف:"الحذف ضرب من الاتساع"(٣) .
ولعل البلاغيين والنقاد العرب القدماء قد توسعوا في مجالات المجاز في تجسيد الطاقة المولدة لشعرية العمل الإبداعي، وأنه يمنح النص الإبداعي خصوصيته الفنية، كما يشكل حداً فاصلاً بين لغة الشعر وبين لغة النثر العادي. الذي يعتمد إلى حد بسيط على النواحي البلاغية.
ومن هنا فقد أحصى ابن قتيبة (ت٢٧٦هـ) ضروب المجاز عند العرب بحيث شملت كل ضروب البيان والبديع والمعاني في البلاغة العربية تقريباً. يقول: ضروب المجاز عند العرب هي: "الاستعارة، والتمثيل، والقلب، والتقديم والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، ومخاطبة الجميع خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم وبلفظ العموم لمعنى الخصوص"(٤) .
كما أضاف ابن أبي الإصبع المصري (ت ٦٥٤هـ) في كتابه تحرير التحبير ضروباً أخرى تؤكد أهمية المجاز عند البلاغيين والنقاد العرب، ودوره في تشكيل النص الإبداعي وبنائه، حيث يقول:"والمجاز جنس يشتمل على أنواع كثيرة. كالاستعارة والمبالغة والإشارة، والإرداف، والتمثيل، والتشبيه. وغير ذلك مما عدل فيه عن الحقيقة الموضوعة للمعنى المراد"(٥) .