وأما في الموروث النقدي والبلاغي اليوناني، فقد أسهب أرسطو في شرح مفهوم المجاز ودلالته وضروبه المختلفة لما لهذا اللون البلاغي من دور هام في تحديد الفرق بين اللغة العادية المعبرة عن الحقيقة وعن الوصف اللغوي المباشر وبين اللغة الإبداعية التي يشكل المجاز بضروبه المتعددة جوهرها وأساسها، فضلاً عن أن المجاز يشكل كذلك الطاقة المتجددة للغة الإبداعية في النصوص الأدبية.
ولهذا فقد بين أرسطو أن المجاز ضرب من ضروب الإبداع والموهبة. يقول:"فمن المهم استخدام كل ضرب من ضروب التعبير التي تحدثنا عنها: من أسماء مضاعفة مثلاً أو كلمات غريبة، وأهم من هذا كله البراعة في المجازات لأنها ليست مما نتلقاه عن الغير، بل هي آية المواهب الطبيعية، لأن الإجادة في المجازات معناها الإجادة في إدراك الأشباه"(٦) .
كما وضح أرسطو الفرق بين اللغة العادية واللغة الإبداعية، حيث بين أن اللغة العادية هي التي تعبر عن المسميات، والوصف المباشر للأشياء، بينما اللغة الإبداعية هي المعبرة عن دلالة الأسماء. يقول:"الأسماء على نوعين: اسم بسيط (وأعني بالبسيط ما ليس بمركب من أجزاء دالة، مثل أرض واسم مضاعف، والأخير مركب إما من جزء دال وجزء غير دال، ولا نقصد أنه في الاسم نفسه هو دال أو غير دال أو من أجزاء دالة"(٧) .
ومن هنا، فإن المجاز يتمحور حول اللغة الإبداعية ذات الدلالات المتعددة التي تدخل ضمن التأويل والتفسير، وتعدد الاحتمالات، وهذا ما وصفه ارسطو بالنقل أي تغير الدلالة حسب التركيب والاستخدام في اللغة الإبداعية، ذلك النقل الذي يعتمد على الاستعارة وضروب المجاز المختلفة. يقول:"والمجاز نقل اسم يدل على شيء إلى شيء آخر: والنقل يتم إما من جنس إلى نوع، أو من نوع إلى جنس، أو من نوع إلى نوع، أو بحسب التمثيل"(٨) .