للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة القولِ أنَّ اللغة مرآةٌ ينعكس فيها كلُّ ما يسير عليه الناطقون بها في شئونهم الاجتماعية العامة والخاصة ويشمل ذلك العقائد والعادات، والتقاليد، والمبادئ وغير ذلك مما يصبغ اللغة بصبغة خاصّةٍ في جميع مظاهرها: في الأصواتِ، والمفرداتِ، والدِّلالة، والقواعد، والأساليب ... وهلم جرا.

فما يكون عليه الأفراد على سبيل المثال - من حشمةٍ وأدبٍ في شئونهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض ينعكس صداه في لغتهم، فاللاتينيون مثلاً (١) يعبرون عن العورات والأمور المستهجنة والأعمال الواجب سترها بعباراتٍ صريحة ومكشوفةٍ، على حين أنَّ العرب تتلمسُ أحسنَ الحيلِ وأدناها إلى الحشمةِ والأدب في التعبير عن هذه الأمور وغيرها مماله آثارٌ نفسيةٌ فتلجأُ إلى التَّلَطُف في الكلام، فتبلغ غرضها بأسلوبٍ ألطفَ وأحسنَ من الكشفِ والتصريحِ ويعيبون على الرّجل إذا كان يكاشفُ في ذلك، ويقولون: ((فلانٌ لا يحسنُ التعريضَ إلا ثَلْبا)) (٢) والتعريض خلافُ التصريحِ.

والعربُ تُعبرُ عن الأفعال التى تُستر عن العيونِ وتتأذّى منها النفوس بألفاظٍ تدل عليها غير موضوعةٍ لها، تنزهاً عن إيرادها على جهتها وتَحَرُّزاً عمّا وُضِع لأجلها إذ الحاجة إلى ستر أقوالهم كالحاجة إلى سترِ أفعالهم فيتحرزون عن التصريح بالتعريضِ فيكنون عن لفظه، إكراماً لأنفسهم عن التلفظ به (٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>