للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: فرديٌّ حيث يعمد المتكلمُ إلى التَّلَطُف في موقفٍ خاصٍ، وذلك لايتأتى لكل أفراد المجتمع، بل هو من خصائصِ ذوي الفطنة، وسرعةِ البديهةِ والذكاءِ، وقد أشار القدماءُ من علماء العربية إلى هذا الموقف وحاولوا علاجَه تحت بابِ ما أَسْمَوْهُ: ((التخلصُ من الكذب بالتورية عنه)) مستشهدين على ذلك بما روي عن النبي (( ()) : ((إنَّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب)) .

ومن أمثلة ذلك ما يُروى من أنَّ الخليفةَ المنصورَ كان في بستانٍ ومعه الربيع، فقال له: ما هذه الشجرةُ؟ قال الربيع: شجرةُ الوِفاق يا أمير المؤمنين، وكان اسم تلك الشجرةِ شجرةَ الخلافِ، فتفاءلَ المنصورُ بذلك وعَجِبَ من ذكائه (١) .

ومن ذلك مارُوى عن الخليفة المأمون أنه كان بيده مساويك، فسأل الحسنَ بنَ سهلٍ ما هذه؟ فقال: ضدُّ محاسنك يا أميرَ المؤمنين، وكره أن يقولَ مساويك (٢) .

ويبدو أنَّ هذا الموقفَ هو الذى أوحى لابنِ دريدٍ بفكرةِ تأليفِ كتابهِ ((الملاحن)) حيثُ إنَّ الفكرةَ الأساسيةَ التى يقوم عليها الكتابُ هي استخدامُ اللفظِ المشتركِ على سبيلِ التوريةِ لمعانٍ أخرى خلاف ماهو ظاهرٌ، أو كما قال عنه مؤلفه:

((هذا كتابٌ ألفناه ليفزعَ إليه المجبرُ المضطهدُ على اليمينَ المكره عليها، فيعارضُ بما رسمناه، ويضمرُ خِلافَ ما يُظهرُ ليسلمَ من عادية الظالم ... )) (٣) .

ويشتمل الكتابُ على خمس وسبعينَ ومائةِ يمينٍ تقريباً، بعضها اشتمل على لفظٍ واحد، كقوله:

((واللهِ ما سألتُ فلاناً حاجةً قط)) والحاجةُ الضربُ من الشجر له شوكُ، والجمع حاج ... )) (٤) .

وبعضها اشتمل على أكثر من لفظٍ، كقوله:

((واللهِ ما سببتُ له أمّاً ولا جداً ولا خالاً، فالأمّ أمُّ الدِّماغِ، والجدُّ الحظُ، والخالُ الأكمةُ الصغيرة)) (٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>