إن دراسة متأنية لواقع النقد النسائي عبر العصور المختلفة تشير إلى أن هذا النقد يكاد يكون مختفيا تماما منذ العصر الجاهلي وحتى بداية هذا القرن، وقد قمت بدراسة مسحية لهذا الموضوع بينت من خلالها أن العصور العربية المختلفة لم تعرف إلا عددا قليلا من الناقدات منهن الناقدة أم جندب امرأة امرئ القيس بن حجر حيث ذكرت المصادر أن امرأ القيس وعلقمة بن عبده (علقمة الفحل) تنازعا أيهما اشعر، فقال كل واحد منهما: أنا أشعر منك. فقال علقمة: قد رضيت بامرأتك أم جندب حكما بيني وبينك. فحكّماها. فقالت أم جندب لهما: قولا شعرا تصفان فيه فرسيكما على قافية واحدة وروى واحد فقال امرؤ القيس:
خليليّ مرّا بي على أم جندب
نُقضّ لبانات الفؤاد المعذب
وقال علقمة:
ذهبت من الهجران في غير مذهب
ولم يك حقاً طول هذا التجنّب
فأنشداها جميعا القصيدتين. فقالت لامرئ القيس: علقمة أشعر منك. قال وكيف؟ قالت: لأنك قلت:
فللسوط أُلهوب وللساق دِرَّةٌ
وللزجر منه وقع أخرب مهذب
الأخرج ذكر النعام والخرج بياض في سواد وبه سمي فجهدت فرسك بسوطك في زجرك ومريته فأتعبته بساقك. وقال علقمة:
فأدركهنّ ثانيا من عنانه
يمرُّ كمرِّ الرائح المتحلّب
فأدرك فرسه ثانيا من عنانه لم يضربه بسوطٍ ولم يتعبه. فقال: ما هو بأشعر مني ولكنك له عاشقة. وطلّقها. فخلف عليها علقمة فسمي الفحل لذلك (١٢) .
وأشارت المصادر كذلك للناقدة السيدة سكينة بنت الحسين بن علي والتي قال عنها صاحب الأغاني: " إنها كانت عفيفة تجالس الأجلّة من قريش وتجمع إليها الشعراء " ومن نقدها أنها سمعت نصيبا يقول:
أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت
فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي
فعابت عليه انه صرف همه ورأيه إلى من يعشقها بعده وفضلت أن يقول:
أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت
فلا صلحت دعد لذي خُلَّةٍ بعدي
وتسمع الأحوص يقول:
من عاشقين تراسلا وتواعدا
ليلاً إذا نجم الثريا حلّقا