ثم قيل: هذا كُثيّر عز ة والأحوص بالباب. فقالت " ائذنوا لهما. ثم أقبلت على كُثيّر، فقالت: أما أنت يا كثير فألأم العرب عهدا في قولك:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثلُ لي ليلى بكل سبيلِ
ولم تريد أن تنسى ذكرها؟ أما تطلبها إلا إذا مثلت لك! أما والله لولا بيتان قلتهما ما التفت إليك، وهما قولك:
فيا حبّها زدني جوى كلَّ ليلة
ويا سلوةَ الأيام موعدُك الحشرُ
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها
فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ
ثم أقبلت على الأحوص فقالت: وأما أنت يا أحوص فأقل العرب وفاء في قولك:
من عاشقين تراسلا فتواعدا
ليلا إذا نجمُ الثرّيا حلّقا
بعثا أمامهما مخافة رقبة
عبدا ففرّق عنهما ما أشفقا
باتا بأنعم عيشةٍ وألذها
حتى إذا وضح الصباحُ تفرّقا
ألا قلت: تعانقا، أما والله لولا بيت قلته ما أذنت لك، وهو:
كم من دنيّ لها قد صرتُ أتبعه
ولو صحا القلبُ عنها صار لي تبعا
ثم أمرت بهم فأُخرجوا إلا كثيرّا، وأمرت جواريها أن يكتّفنه، وقالت له: يا فاسق، أنت القائل:
أإِنْ زُمّ أجمال وفارق جيرة
وصاحَ غُرابُ البين أنتَ حزينُ
أين الحزن إلا عند هذا؟ خرقن ثوبه يا جواري. فقال: جعلني الله فداءك إني قد أعقبت بما هو أحسن من هذا. ثم أنشدها:
أأزمعت بينا عاجلاً وتركتني
كئيباً سقيما جالسا أتلدد
وبين التراقي واللهاة حرارة
مكان الشّجا ما تطمئنّ فتبرُدُ
فقالت: خلين عنه يا جواري. وأمرت له بمائة دينار وحلة يمانية، فقبضها وانصرف (١٥) .
وغير عقيلة فقد ذكرت المصادر أم جحدر بنت حسان المرية التي فضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا وقال كل منهما أبياتا في هجائها (١٦) .
وأشارت بعض المصادر إلى ولادة بنت المستكفي الأميرة المتحررة التي انشأت ندوة للمساجلة الشعرية في العصر الأندلسي (١٧) وهي بهذا تكون قد تركت بصمة واضحة في ميدان النقد لأن ندوات المساجلة هي بحد ذاتها نواة طيبة لحركة نقدية فاعلة.