ثم يختفي صوت المرأة الناقدة بعد ذلك تماما، حتى إذا ما وصلنا عصر النهضة وتوقعنا أن تكون البداية الحقة مع مطلع هذا العصر وجدنا بأن الأدب لم يعرف إلا النساء الكاتبات أمثال مي زيادة التي اشتهرت بمقالاتها وأبحاثها الاجتماعية وخواطرها ومحاولاتها المسرحية والقصصية وبعض المحاولات النقدية التي سآتي على ذكرها فيما بعد (١٨) . وملك حفني ناصف (١٨٨٦ - ١٩١٨) التي كانت تراسل الصحف وتخطب في الأندية داعية إلى تعليم المرأة (١٩) وماري عجمي في سوريا (١٨٨٨ – ١٩٦٥) التي انشأت مجلتها " العروس " ووجدت فيها ميدانا لبث دعوتها الإصلاحية (٢٠) .
ومع ظهور مدرستي الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية في المهجر كنا نتوقع أن تظهر بوادر النقد النسائي بحكم القرب من الغرب، لكن ذلك لم يحصل إطلاقا، فكل ما ذكرته لنا الكتب التي اهتمت بدراسة الأدب المهجري وجود ناثرات فقط يقول الناعوري:" فلم تكن المرأة عنصر تأثير في أدب المهجر، بل كانت عنصر تأثر فحسب، تترسم في حياتها الأدبية خطى الرجل، ولست أعرف في أديبات المهجر إلا الناثرات"(٢١) ، ويقول أيضا:" ومن بين مهاجري الشمال لا اعرف أية امرأة أسهمت بقلمها في خدمة الضاد إسهاما يستحق الذكر، وأما اللواتي برزت أسماؤهن في ميادين الصحافة والأدب فهن من المهجر الجنوبي، وكلهن ممن أقمن في البرازيل وشاركن الرجال هناك في مهنة القلم "(٢٢) . ويشير الناعوري بهذا الصدد إلى الأديبات السيدة سلمى صائغ مؤلفة كتاب "ذكريات وصور " والسيدة أنجال عون شليطا والسيدة سلوى سلامه أطلس (٢٣) .
وقد لا نستغرب غياب النقد النسائي عن الأدب المهجري، ما دامت المؤلفات المختلفة لا تذكر لنا عن نقد الرجال في المهجر سوى كتابين نقديين هما:"الغربال" لميخائيل نعيمه، "والمنقار الأحمر " لشكر الله الجر.