للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

((ناسٌ)) (١) ، وفي اسم ((الله)) - عز وجل -، وكلُّ ذلك قد حكاه سيبويه (٢) ، وذهَبَ إلى حذْفِ الهمزة فيه، فما أنكَرْتَ أنْ يكونَ حَذْفُ الهمزة المبتدَأَةِ كثيراً يجوزُ القياسُ عليه، ورَدُّ غيره إليه. وقد ذهب الخليلُ (٣) إلى حذفِ الهمزةِ من ((أنْ)) في قولهم: لَنْ يَفْعَلَ، وقال: هو ((لاَ أَنْ)) ؟

قيلَ له: ليست هذه الحروفُ من الكثرة والسَّعةِ بحيث يُقاسُ غيرُها عليها، إنمَّا هي حروفٌ كَثُرَ استعمالُها فحُذِفَ بعضُها، وعُوِّضَ من حَذْفِهِ. وليست الهمزةُ في الآية إذا حُذِفَتْ عند الكِسَائيِّ بمعُوَّضٍ منها شيءٌ، بل يُحذَفُ معها

غيرُها من الكلام للإدغام، والقياسُ / على هذه الحروفِ لا يُوجِبُ حَذْفَها؛ إذ لا عِوَضَ منها،كما حُذِفَت من هذه الحروف لماَّ عُوِّضَ منها.

فإن قلتَ: فإنَّ [في] قولهم: ((وَيْلِمِّهِ)) حَذْفٌ، ولم يُعوَّضْ منه شيءٌ؟

فإنَّ القياسَ على هذا الفَذِّ (٤) الشَّاذِّ غيرُ سائغٍ، ولاسيَّما إذا كان المقيسُ عليه فيه معنًى أوجَبَهُ شيءٌ ليس في المقيس مثلُهُ؛ وهو كثرةُ الاستعمال. ألا ترى أنَّكَ تقولُ: لا أدْرِ، ولم أُبَلْ (٥) فتَحْذِفُ لكثرَةِ الاستعمال، ولا تقيسُ عليه غيرَهُ إذا كان متعرِّياً من المعنى الموجِبِ في هذا الحذفَ. وكذلك لا تقيسُ على ((وَيْلِمِّهِ)) ما في الآية من حذْفِ الهمزة؛ إذ لا يخلو الحذفُ فيها من أنْ يكونَ لكثرة الاستعمال كما ذَكَرْنَا، أو لأنَّهَا همزةٌ مبتدَأَةٌ، فلو كان الحذْفُ لأنَّها همزةٌ مبتَدَأَةٌ لوجَبَ حذْفُ كلِّ همزةٍ مبتَدَأَةٍ، وذلك ظاهرُ الفساد. فثَبَتَ أنَّه كما ذَكَرْناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>