ويَفْسُدُ حَذْفُ هذه الهمزة من جهةٍ أخرى؛ وهي أنَّهُ إذا سَاغَ الحذفُ في بعض الأسماء أو الأفعال لكَثْرَةِ الاستعمال أو الاستثقال، أو ضَرْبٍ من الضُّروب،لم يَجُزْ حَذْفُ الحروف قياساً عليها؛ لأنَّها قَبيلٌ غيرُها ونوعٌ سواها، فحُكمُهُ في الحذف غيرُ حُكمها؛ ألا ترى أنَّ الحذفَ لم يجئ في شيءٍ من الحروف إلاَّ في بعض ما كان مضاعَفاً نحو:((رُبَّ)) و ((إنَّ)) و ((كأنَّ)) ، ولم يجئ في كل ذلك، لم نعلَمْهُم حذفوا مِن ((ثمَّ)) ولا ((لعلَّ)) ، وليس ((إلى)) بمضاعَفٍ فيجوزُ ذلك فيه (١) . ولهذا ذهب أهلُ النَّظَرِ في العربيَّةِ (٢) إلى تغليب معنى الاسم على ((مُذْ)) لِمَكان الحذْفِ، وتغليبِ معنى الحرف على ((مُنْذُ)) لتمامها، فلو جاء الحذفُ في الأسماء في نحو ذا لم يَجُزِ الحذفُ من الحروف قياساً عليها؛ لقلَّةِ الحذفِ من الحروف. ولم نَعْلَمِ الحروفَ حُذِفَ منها شيءٌ إلاَّ ما ذَكَرْنَاه، والألِفَ من ((ها)) التي للتَّنبيه في قولهم: ((هَلُمَّ)) (٣) ، وذلك لكَثْرَةِ استعماله، وبنائِهِ مع غيره. وليس في الحرْفِ الذي في الآية شيءٌ من ذلك، فتجويزُ هذا فاسِدٌ في العربيَّةِ وقياسِهَا لِمَا ذَكَرْناه.
فأمَّا ما ذهب إليه الخليلُ في ((لَنْ)) ، فلم يَتْبَعْهُ في ذلك سيبويهِ (٤) ، ولا أحدٌ ممَّن رواهُ من أصحابِهِ، وذهبوا كلُّهُم إلى فسادِهِ (٥) .