ويَفْسُدُ قياسُ حَذْفِ الهمزة من ((إلى)) على التي في ((وَيْلِمِّهِ)) ، وعلى الألف في ((هَلُمَّ)) من جهةٍ أخرى وهي: أنَّ هذَين الحرفَين لَمَّا ضُمَّا إلى الاسمين غيرهما، وكَثُرَ استعمالُهُما، صارا كالكلمة الواحدة المتَّصلة من أجل اللُّزُوم، والحذْفُ وسائرُ حروفِ التَّغيير والاعتلالِ إلى المتَّصلِ أسْرَعُ (١) ، وفيه أوْجَدُ منه إلى المنفصل. فالحذفُ في هذَين الحرفَين يَسُوغُ ما لا يَسُوغُ في غيرهما؛ لِمَا ذَكَرْنَاه من شِدَّة الاتِّصال. ويدلُّكَ على شدَّةِ اتِّصَالهما: أنَّهُم اشتقُّوا منهما وهما مُرَكَّبَان،كما يُشتَقُّ من المفرَدَين؛ قال أبو زيدٍ (٢) : يُقالُ: ((هو رَجُلٌ ويْلِمَّةٌ)) ، والوَيْلِمَّةُ من الرِّجال: الدَّاهيةُ.
وقال الأصمعيُّ (٣) : إذا قال لكَ: هَلُمَّ، فقُلْ: لا أَهَلُمُّ. فهذا يدلُّ على إجرائهم الكلمتَين في الموضعَين مُجْرَى المفرَد، فاشْتُقَّ منهما كما اشْتُقَّ من المفرَد، فعلى حسَبِ هذا حسُنَ الحذْفُ منهما،كما يُحْذَفُ من الكَلِمِ المفرَدة.
والمفرَدُ والمتَّصِلُ وما جرى مَجْراهما يكونُ فيهما من الحذْفِ ما لا يكونُ في غيرهما من المنفصل في جميع أبواب العربيَّة، ألا ترى أنَّكَ تُدغِمُ مثل: مَدَّ وفَرَّ، وما أشْبَهَ ذلك، لا يكونُ فيه غيرُ الإدغام (٤) ، وأنتَ في ((جَعَل لَّكَ)) و ((فَعَل لَّبيدٌ)) (٥) ونحوِ ذلك مخيَّرٌ بين الإدغام والبَيَان، فكذلك ما في الآية، يمتنعُ الحذفُ من الحرف فيه لأنَّه منْفَصِلٌ.
فهذه جهةٌ أخرى يمتنعُ لها الحذفُ من الحرفِ ويَضْعُفُ.
فأمَّا مثلُ:{وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ}(٦) ، و {انْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ}(٧) / و {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ}(٨) . فحَذْفُهُ مُطَّرِدٌ قياسيٌّ، وليس من هذا الباب.
فهذا شيءٌ عَرَضَ في هذه المسألة مما يتَعَلَّقُ بها، ثمَّ نعودُ إليها: