فإن قلتَ: فقد قالوا: زَبَانيٌّ (١) وطائيٌّ، فأبدلوا الألفَ من ياءَين زائدَتَين، فكذلك تُبدَلُ الياءُ من الألِفِ الزَّائدةِ في ((لَهْيَ)) .
فالجوابُ: أنَّ إبدالَهُم الألِفَ من الياء في ((زَبَانيّ)) ليس بإبدالِ ياءٍ من الألفِ، فيَجُوزُ عليه ((لَهْيَ)) ، ومَن أبدلَ الياءَ من الألِف في نحو قوله:
لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكَا (٢)
لم ينبغ لكَ أن تُجيزَ هذا قياساً عليه؛ لأنَّ ذلك لغةٌ ليست بالكثيرة؛ ولأنَّ ما قبل المبدَلِ قد اختَلَفَ (٣) . ألا ترى أنَّ العينَ في ((قَفَيكا)) متحرِّكةٌ، وما قبلَ الياء في ((لَهْيَ)) ساكنٌ. ومماَّ يُبعِدُ ذلك أنَّ القلبَ ضَرْبٌ من التَّصريف تُردُّ فيه الأشياءُ إلى أصولها. ألا ترى أنَّكَ لا تكادُ تجدُ مقلوباً محذوفاً منه، بل قد يُرَدُّ منه في بعض المقلوب ما كان محذوفاً قبلَ القلب كقولهم:((هارٍ)) (٤) ، وذلك لأنَّهُ لَمَّا أُزِيلَتْ حُرُوفُ الكلمة فيها عن نَظْمها ونَضْدِها كما فُعِلَ ذلكَ بالتَّكسير والتَّصغير أشبَهَهُمَا. فإذا أشبَهَهُمَا من أجل ما ذَكَرْنا (٥) ، وجَبَ رَدُّ المحذوفِ إليه من أجل هذا الشَّبَه،كما رُدَّ إليهما.
فلهذه المضارَعَةِ التي في القلْب بالتَّحْقير والتَّكسيرِ تَرَجَّحَ عندنا قَولُ مَنْ قال في ((أَيْنُقٍ)) : إنَّهَا (أعْفُل) ، قُلِبَتْ العينُ فيها فاءً (٦) على غير قياسٍ على قولِ مَنْ قالَ: إنَّهَا (أيْفُل) وذهب إلى الحذفِ وتعويضِ الياء منها (٧) .
ويُقَوِّي الوجهَ الأوَّلَ ثَبَاتُهُ في التَّكسير في قولهم: أَيَانِق. أنشَد أبو زيدٍ (٨) :
لَقَدْ تَعَلَّلْتُ عَلَى أَيَانِقِ
صُهْبٍ قَلِيلاَتِ الْقُرَادِ اللاَّزِقِ
فإن قلتَ: فإذا كان الاسمُ على هذا التَّقدير (فَعَلاً) بدلالة انقلاب العين ألفاً، فهَلاَّ كان في القلب أيضاً على زِنَتِهِ قبل القلب؟ (٩)