قال أبو عليٍّ: والجوابُ عن الفصل الأوَّل: أنَّ حرفَ المعنى قد حُذِفَ حذفاً مُطَّرِداً (١) في نحو قولهم: ((واللهِ أفعلُ)) إذا أرَدْتَ: واللهِ لا أفعلُ، وحُذِفَ أيضاً في قولهم: ((لأَضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أو مَكَثَ)) ، وحُذِفَ أيضاً في قول كَثيرٍ من النَّحْويِّين [من] نحو: هذا زيدٌ قَامَ، تريدُ: قد قام (٢) /، و {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} (٣) . وليس في هذه الضُّرُوب المطَّرِدةِ الحذفِ دلالةٌ تدلُّ عليها من اللَّفظ. فإذا ساغ هذا فحذفُ الذي يبقى في اللَّفظ دلالةٌ عليه منه أَسْوَغُ.
وقد حُذفت همزة الاستفهام في نحو قول عِمرانَ بنِ حِطَّانَ (٤) :
فَأَصْبَحْتُ فِيهِم آمِناً لاَ كَمَعْشَرٍ
أَتَونِي فَقَالُوا مِنْ رَبِيْعَةَ أَو مُضَرْ
وأبياتٍ أُخَر (٥) . وحُذِفَت اللاَّمُ الجازمةُ في نحو قولِ الشَّاعر (٦) :
مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ
إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ قَومٍ تَبَالاَ
وأنشَد أبو زيدٍ (٧) :
فَتُضْحِي صَرِيْعاً مَا تَقُومُ لِحَاجِةٍ
وَلاَ تُسْمِعُ الدَّاعِي وَيُسْمِعْكَ مَنْ دَعَا
وأنشَدَ البغداديُّونَ (٨) :
وَلاَ تَسْتَطِلْ مِنِّي بَقَائِي وَمُدَّتِي
وَلَكِنْ يَكُنْ لِلْخَيرِ مِنْكَ نَصِيْبُ
وأنشَدوا (٩) :
فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُ فإِنَّ أَنْدَى
لَصَوتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ
وقال الكِسَائيُّ في قولِهِ تعالى: {قُلْ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} (١٠) إنماَّ هو لِيَغْفِرُوا (١١) ، فحَذَفَ اللاَّمَ. وقياسُ قوله هذا عندي أنْ تكونَ اللاَّمُ محذوفةً من هذا القَبِيْلِ، نحو قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِيْنَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ} (١٢) ، وقالوا: ((اللهِ لأفعَلَنَّ)) (١٣) .
وحُذِفَ الحرفُ في ما كان من نحو: ((ما كان لِيَفْعَلَ)) ، ومع الفاء والواو وأو وحتَّى.