فإذا حُذفَ في هذه الأشياء لم يمتنعْ حذفُهُ في هذا المواضعِ أيضاً؛ لأنَّ الدلالةَ علىحذفه قائمةٌ. ألا ترى أنَّ انجِرَارَ الاسمِ يدلُّ عليه،كما أنَّ انتصابَ الفعل في المواضع التي ذكَرْنا يدلُّ عليه.
فالحذفُ في هذا الحرفِ الزَّائدِ كالحذف في الحروف الأصليَّة؛ إذ الدلالةُ قائمةٌ على حَذْفِهِ،كالدَّلالة على الحذْفِ من الأصل نحو:((لم أُبَلْ)) وأَبْلَغُ؛ لأنَّ الجرَّ في الاسم يدلُّ على الجارِّ المحذوفِ، وقد حُذِفَ الحرفُ الزَّائِدُ كما حُذِفَ الأصل نحو: إنِّي ولعلِّي، وكحَذْفِهِم التَّاءَ من ((استطاع)) (١) . وكذلك يَسُوغُ حَذْفُ هذا الزَّائدِ الجارِّ. وقد حذفوا الجارَّ أيضاً في قولهم:((مَرَرْتُ برَجُلٍ إنْ صالِحٍ وإنْ طالِحٍ)) (٢) .
فليس في شيءٍ ذَكَروهُ في الفصل الأوَّلِ ما يمتنعُ له حَذْفُ الحرفِ من قولهم:((لاهِ أبوكَ)) .
وأمَّا ما ذَكَروه في الفصل الثَّاني من أنَّ الحذفَ إنما يكونُ فيما يتكرَّرُ من الحروفِ؛ لأنَّ الاستثقالَ به يكونُ، فقد حُذِفَ الأوَّلُ من الحروف المتكرِّرَة، كما حُذِفَ الثَّاني منها، وذلك قولُهُم: ظَلْتُ ومَسْتُ (٣) ونحو ذلك.
فإن قلتَ: فما الدَّليلُ على أنَّ المحذوفَ الأوَّلُ، وما يُنكِرُ أنْ يكونَ الثَّانيَ؟
فالدَّليلُ على أنَّهُ الأوَّلُ قولُ مَن قال في ((ظَلِلْتُ)) : ظِلْتُ، وفي ((مَسِسْتُ)) : مِسْتُ (٤) ، فأَلْقَى حركةَ العينِ المحذوفةِ على الفاءِ،كما ألقاها عليها في ((خِفْتُ)) و ((هِبْتُ)) و ((طُلْتُ)) (٥) .