وزعمَ الفرَّاءُ (١) أنَّ قولَهُ: {صَاد} معناها كقولِكَ: وَجَبَ واللهِ، كأنَّهُ قالَ: وَجَبَ والقرآن، فإنْ كان ذلك رُوِيَ عن بعض المفسِّرين، وإلاَّ فلستُ أعرِفُهُ. فأمَّا تمثيلُهُ إيَّاه ب ((وَجَبَ)) فرديءٌ؛ لأنه ذَكَرَ فِعْلاً لم يُسْنِدْهُ إلى فاعلٍ، فليس يُعلَمُ ما فاعلُ الوجوب، ولا بم يتعلَّقُ، وإذا كان ذلك كذلك لم يكن كلاماً.
فإن قال قائلٌ: فيكونُ فاعلُهُ المصدَرَ،كأنَّهُ وجَبَ الوُجُوبُ،كما قُلْتُمْ في قوله:
قيلَ له: لا يُشْبِهُ هذا ((وَجَبَ)) ؛ لأنَّ ((بدا لهم بَدْوٌ)) بمنزلة ظَهَرَ لهم رَأيٌ، ثم فُسِّرَ ذلك الرَّأيُ ما هو بالجملة التي هي ((لَيَسْجُنُنَّهُ)) ، فلذلك كان حسناً مفيداً؛ إذ كان في المعنى بمنزلة قولكَ: ثمَّ بَدَا لهم سَجْنُهُ، فإنْ شَبَّهَ ((وَجَبَ الوجوب)) بما تَلَوناه، فقدجَمَعَ بين مختلفَين، ووفَّقَ بين أمرين غير مشتبهين.
وزعَمَ (٤) أنه يُقَالُ: إنَّهُ أرادَ: لَكَمْ أهلكنا، فلمَّا فصَلَ بينهما حَذَفَ اللاَّمَ، مثلُ قولِهِ:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}(٥) بعد قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} . وهذا الذي ذَكَره (٦) غيرُ جائزٍ البتَّةَ (٧) عندنا؛ وذلك أنه لا مَدخَلَ لشيءٍ من اللاَّمات على ((كم)) ، أمَّا التي للابتداء فتمتنعُ من الدُّخُول عليها من جهتَين:
إحداهما: لانتصاب ((كم)) بالفعل الذي بعده، وهي لا تَدخُلُ على المفعولات.