للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الرغم من طول صحبتي لكتاب سيبويه، ورجوعي إليه، والتصاقي به، وملازمتي إياه، ودراسته لطلاب وطالبات الدراسات العليا وقراءته قراءة متأنية فاحصة واعية ... على الرغم من كل ذلك لم أوفق في العثور على نص صريح في مفهوم الضرورة الشعرية عند سيبويه، وكل ما نُسب إليه من الآراء في ذلك كان مأخوذاً أخذاً من كلام سيبويه، ومستنبطاً مجرد استنباط فقط دون تصريح بهذا التعريف أو ذاك، ولهذا اختلف العلماء من بعده في مفهوم الضرورة الشعرية اختلافاً كبيراً كما سيأتي بالتفصيل بعد قليل.

عالج سيبويه ظاهرة الضرورة الشعرية في ثلاثة أبواب، جاءتْ متفرقة متباعدة في ((الكتاب)) وكان أولها ما جاء بعنوان: ((هذا باب ما يحتمل الشعر)) (٣) ، وقد صالَ فيه وجال، وتناول كثيراً من القضايا التي تتعلق بالضرورات الشعرية.

ومع ذلك (لم يَسْتَقْصِ) (٤) كما يقول السيرافي شارح ((الكتاب)) ، وكما اعترف بذلك سيبويه نفسه في آخر هذا الباب حين قال: ((وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك هنا؛ لأن هذا موضع جُمَل، وسنبين ذلك فيما يُستقبل إن شاء الله)) (٥) .

وعلى الرغم من هذه العزيمة الصادقة - فيما يبدو - لم يتمكن سيبويه من الوفاء بما وعد من ذكر التفاصيل ... حينما تعرض للضرورة الشعرية في بابين اثنين آخرين في ((الكتاب)) خصصهما للضرورة الشعرية فيما بعد؛ لأن المنية عاجلتْه في ريعان الشباب (٦) قبل أن يحقق ما أراد - رحمه الله رحمة واسعة، أما البابان الآخران فعنوانهما كالآتي بالنص:

١ - ((هذا باب ما رخّمت الشعراءُ في غير النداء اضطراراً)) (٧) .

٢ - ((هذا باب ما يجوز في الشعر من (إيّا) ولا يجوز في الكلام)) (٨) .

وقد أدرك الإمام السيرافي هذا الاختصار عند سيبويه، فاستدرك عليه وشرح هذا الباب شرحاً موسعّاً مطولاً استحق أن يطبع في كتاب مستقل فيما بعد (٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>